بقلم: غينادي تشوفرين

العراق: الحرب وراءنا، ولكن أين الطريق إلى السلام؟

مضى ما يقارب الشهرين والنصف تقريبا على انتهاء الحرب في العراق وهناك امكانية لتقييم بعض نتائج العمل العسكري الذي قامت به الولايات المتحدة وبريطانيا. فهل حقق النتائج المرجوة وهل تحققت تلك الاهداف التي من اجلها تم اللجوء الى الخيار العسكري لحل المشكلة العراقية واخيرا هل تعطي الاوضاع الحالية في العراق السب للتفاؤل؟ اعتقد انه من الصعب اعطاء اجوبة ايجابية على كل هذه الاسئلة. فاذا تحدثنا عن الاهداف الرسمية الأمريكية للحرب العراقية وهي القضاء على اسلحة الدمار الشامل التي على حد الزعم امتلكها نظام صدام حسين فلم يجر الى الآن العثور عليها وعلى الارجح هي ليست موجودة في العراق. وهذا ما يجب الحديث عنه علنا الآن في الولايات المتحدة وفي بريطانيا وليس في وسائل الاعلام وحدها بل في برلمانات الدولتين حيث توضع موضع الشك معلومات الاستخبارات حول اسلحة الدمار الشامل العراقي. الى ذلك ليس سرا لاحد في العالم بانه وعلى خلاف الرواية الرسمية لواشنطن فان السبب الحقيقي للحرب في العراق كانت السعي الأمريكي للسيطرة على الثروات النفطية. ومن وجهة النظر هذه فان الولايات المتحدة قد حققت هدفها، الا ان حل المهمة الرئيسية وهي اقامة نظام في العراق سهل الانقياد مرتبط بالولايات المتحدة لم يتحقق حتى الآن ومن الصعب القول متى سيتحقق ذلك. ومن دون ذلك فان واشنطن وشركاتها النفطية لن يكون بوسعها الوصول الى صناعة استخراج النفط العراقي. نشأ في العراق بعد الحرب وضع هو بالنسبة للولايات المتحدة اسوأ من افغانستان بالرغم من ان الأمريكيين هناك ايضا لم يتمكنوا الى الآن من اقامة سلطة مريحة بالكامل لهم فحكومة قرضاي تسيطر عمليا على قسم غير كبير من المنطقة المحيطة بالعاصمة, وينشأ وهم بتحقيق الاستقرار. اما في العراق فان ذلك غير ممكن، وكلما امعنت واشنطن البحث عن زعيم للعراق صعب ايجاده واهتز استقرار الاوضاع. وفي هذا الوقت فان الاستياء في كل صفوف وفئات وطبقات الشعب العراقي يتنامى ضد نشاطات الأمريكيين الذين ينظر اليهم كمحتلين وصلوا لسرقة البلاد واقامة النظام الذي يروق لهم فيها. ومقاومة العراقيين وعدم موافقتهم على ما يجري في البلاد يشير اليها على الاقل واقع سقوط 40 قتيلا من العسكريين الأمريكيين بعد انتهاء الحرب في العراق فيما عدد القتلى بين السكان المحليين كبير الى درجة يصعب على احد معرفته. واعتقد ان الأمريكيين قد قاموا بحسابات خاطئة لكل تأثيرات الحرب التي شنوها دون الاخذ بالاعتبار كل حيثيات المشاكل الداخلية العراقية، التي احتدمت في البلاد ضد الضيوف الذين لم يدعوهم احد من وراء المحيط.. واضافة لذلك من المتعين الاخذ بالاعتبار ان العراق يجاور ايران التي ادرجتها الولايات المتحدة في خانة دول محور الشر التي يعتبرها عدد من الخبراء هدف العدوان الأمريكي الجدي. ومن البديهي ان الاوضاع لا تضيف اي استحسان لواشنطن من جانب الشيعة العراقيين. وعموما فان خطر اقامة جبهة شيعية واسعة معارضة للولايات المتحدة تكاد تصبح اكثر واقعية. وكما يتبين فان المزاج الشيعي معاد للاميركيين. وبالقدر نفسه يظهر العداء اذا لم يكن اكثر من قبل السنة ناحية الأمريكيين الذين حرموا مع سقوط زعيمهم صدام حسين السيطرة على الاوضاع في المجتمع العراقي. وحتى الاكراد الذين تعرضوا للاضطهاد في فترة حكم صدام حسين بعيدا جدا عن الذهول مما يجري. فهم يخشون، وعن حق، ان يضحوا عملة تحويل في اللعبة الأمريكية الذين وفي الوقت المناسب سيسلمونهم لتركيا. وليس هناك بكل بساطة عدو اكثر رهبة وشراسة للاكراد في العراق من تركيا بعد سقوط صدام حسين. وينتج عن ذلك انهم ومع دخولهم الى العراق وتهديمهم النظام الذي كان قائما فتح الأمريكيون صندوق المفاجآت على مصراعيه مطلقين معه كمية كبيرة من المشاكل الصعبة التي ليسوا بقادرين على معالجتها. أما العمل على اقامة مجتمع من المؤيدين للاميركيين فليس باستطاعة واشنطن لسبب بسيط وهو عدم وجود سياسيين عراقيين يستحسنون الأمريكيين عدا قلة من الذين حملهم معهم الأمريكيون من الغرب. ولا يمكن عدم الموافقة على ما قاله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حديثه الاخير منذ ايام مع المحطة التلفزيونية البريطانية "بي بي سي" في وصفه للوضع في العراق حيث وصفه بالصعب والمعقد جدا مؤكدا بانه وحتى ارساء النظام والسيطرة الكاملة على الاوضاع ما زل الامر بعيدا جدا. وكما ذكر الرئيس الروسي فان الاوضاع ستتعقد أكثر اذا لم نفهم ان علينا توحيد الجهود من اجل تطبيع الاوضاع. واعلن بوتين عن استعداد روسيا للتعاون مع الشركاء للقيام بكل شيء من اجل ان "يقف العراق على قدميه" وان يضحى دولة ديمقراطية تتطور بفعالية في الاطار الدولي. لا يمكن للولايات المتحدة منفردة حل المشكلة العراقية. وليس عن طريق اختلاق الاسباب (اسلحة الدمار الشامل) بل واقعيا ايجاد الحروب. ارادوا ذلك ام لا فسيتعين عليهم الحصول على دعم الدول الاخرى بما في ذلك روسيا اذا كانوا في الواقع يسعون لتحقيق النجاح الذي تدعو اليه الدول المعتدلة.@ عضو اكاديمية العلوم الروسية، نائب مدير معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدوليـة في أكاديمية العلـوم الروسية@ عن ميدل ايست اونلاين