د. ابراهيم العثيمين

ايران.. هل تعكس اللغة الناعمة واقع الحال؟

تعرضت في مقالات سابقة  لـ»اساليب الكذب السياسي الايراني» في ما سميناه «ظاهرة التقية السياسية». وتعرضت إلى مجموعة من الاساليب التي استخلصها جون جي ميرشايمر  John J. Mearsheimer احد اهم المفكرين الواقعيين على صعيد السياسة الخارجية Realist  ومن أكثرهم تأثيرا في العلاقات الدولية في العالم، في كتابه لماذا يكذب القادة (الحقيقة حول الكذب في السياسة الدولية) Why Leaders LieThe Truth About Lying in International Politics محاولين اسقاطها على الخطاب السياسي الايراني. وخرجنا من هذه المقالات ان هذه التقية كانت ديدن السياسة الخارجية الايرانية طوال العقود الماضية وسمته العامة  في ساحة الصراع السياسي والتنافس الاقليمي الا انها وصلت الى حد الافلاس مع وصول احمدي نجاد الى السلطة الذي اعتمد سياسة المواجهة والامعان في مقارعة المجتمع الدولي والاقليمي  بدل التعاون والتفاوض والتي مثلت انقلابا على التقية السياسية التي كان ينتهجها اسلافه. الا ان وصول حسن روحاني وهو الإصلاحي والمعتدل -كما روج له- الى الرئاسة في ايران مثل مرحلة تفاؤل لكثير من المراقبين للمشهد الايراني وبادرة أمل لاعادة بناء جسور التواصل مع العالم والتي تأزمت مما ادى الى عزل ايران دوليا واقليميا. وحتى لا نطيل في تفاصيل المشهد الايراني ، كانت هناك ثلاثة ملفات رئيسية وثقيلة تؤرق المجتمع الدولي والاقليمي وخاصة الخليجي  وتحدد بوصلة التغير الحقيقي في السياسة الخارجية وهي الملف السوري والملف النووي والملف الخليجي. وبالتالي كان العالم اجمع يترقب  قرارات جازمة بخصوصها لكي تخفف من احتقانها وتأزمها وصولا بها الى تسوية سياسية حقيقية.  ففي أول مؤتمر للرئيس روحاني بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية لخص بشكل عام موقفه من هذه الملفات الثلاثة اعطتني وكثير من المراقبين مؤشرا عاما وقراءة اولية لمسار السياسة الخارجية . ففيما يتعلق بالملف الاكثر سخونة وهو الملف السوري قال روحاني في المؤتمر «إن حل الأزمة السورية بيد الشعب السوري، معتبرا أن الحكومة الحالية يجب أن تبقى حتى انتخابات عام 2014 ثم اعرب عن رفضه «الإرهاب والحرب الأهلية في سوريا» وأي تدخل لدول أخرى فيها». ما يمكن التقاطه من هذا الخطاب عدة أمور. انه وصف الثوار الاشراف والاطفال العزل بالارهابيين محاولا ازاحة الشرعية عنهم  والوضع الدموي والمجازر الذي يرتكبها هذا النظام المجرم  في الحولة وفي حمص، وفي التريمسة بحماة, وفي حلب وغيرها ضد هذا الشعب الاعزل بالحرب الاهلية. ويضيف برفض اي تدخل لحماية هذا الشعب الاعزل لكنه يغض الطرف عن ان هذا النظام المجرم ما كان له ان يستمر في القتل والاجرام لولا الأسلحة الروسية مدعومة بمليشيات الحرس الثوري ومليشيات حزب الله. واخيرا يرى ان هذا النظام المجرم فاقد الشرعية وأعوانه الملطخة أيديهم بالدماء نظام شرعي ويجب ان يبقوا حتى انتخابات عام 2014.  ولعلي اذكر فخامة الرئيس انه خلال السنتين اي من 2011 الى 2013 وحسب ما ذكرته «مجموعة الثماني» خلال اجتماعها في لندن في ابريل 2013 استناداً لمصادر منظمات حقوقية ان عدد القتلى الذين سقطوا بسبب هذا النظام المجرم الفاقد للشرعية تجاوز الـ 70 الف شخص بالاضافة الى أكثر من مليون لاجئ وأكثر من مليوني نازح في الداخل. وانا اعتقد ان اعداد القتلى والجرحى والنازحين تفوق بكثير هذه الارقام وبالتالي هو يريد لهذا الرقم ان يتضاعف الى حين موعد الانتخابات المقبلة. ثلاث مفردات ( ارهابيين ، وحرب اهلية ، ونظام شرعي ) اعطت مؤشرا عاما ان هذا الملف لن يشهد اي تغير حقيقي بل مزيد من الدعم ومزيد من اراقة الدماء.هذا حقيقة ما تريده دول مجلس التعاون من ايران وبعده يمكن ان نرسي علاقات ودية مع ايران وباقي الكلام الجميل الذي قيل في المؤتمر. فدول الخليج دول تسعى الى احترام متبادل وتغليب المصالح على الايديولجيا.  كما يتبين لنا كقراءة اولية للمسار الايراني ان القضايا الجوهرية المتمثلة في الملفات الثلاثة لن تشهد أي تغير حقيقي الا على مستوى الخطاب او لغة الخطاب وليس في مضمون الخطاباما بالنسبة للملف النووي الذي اصبح اشكالية حقيقية فيأمل روحاني  « في استئناف المفاوضات مع الدول الكبرى حول الملف النووي مؤكدا ان الحل الوحيد للازمة بين طهران والغرب : بالحوار السلمي. كما اوضح انه ليس بصدد زيادة التوتر مع واشنطن مشترطا مع ذلك استئناف الحوار المباشر مع الولايات المتحدة باعتراف الاخيرة بالحقوق الايرانية في المجال النووي». لن اقول أكثر من ان هذه هي العودة الى التقية السياسية فهذا الملف اعتمادا لرؤية روحاني يجب ان يعود كما كان في عهد خاتمي والذي يعتمد على المماطلة ومحاولة كسب الوقت اي مباحثات لمجرد التباحث ليظل باب الدبلوماسية مفتوحا وهو ما وصفه الامير سعود الفيصل بوصف دقيق حيث قال « ان الإيرانيين واصلوا التفاوض لمجرد التوصل إلى مزيد ومزيد من المفاوضات في المستقبل، فهم كالفلاسفة يستمرون بالحديث دون توقف حول موضوع لا نهائي». اما الملف الاخير وهو الملف الخليجي فلم يشهد هذا الملف أي تقدم الا على مستوى الغزل السياسي الذي اطلقه روحاني حيث قال في المؤتمر «إن أولوية السياسة الخارجية الإيرانية هي إرساء علاقات ودية مع جميع دول الجوار عملا بمبدأ حسن الجوار والاحترام المتبادل، معربا عن تطلع إيران لأن تكون لها علاقات طيبة مع جميع دول الجوار، لا سيما السعودية. لكن دول الخليج لديها رغبة حقيقية لتسوية الازمات العالقة بينها وبين ايران ابتداء من الجزر الاماراتية المحتلة والتعجرف الايراني رغم كل الجهود الخليجية لتسوية هذه القضية سلميا مرورا بالتدخل الايراني في شؤون الخليج  خاصة البحرين واعتبار وجود قوات درع الخليج في البحرين احتلالا مرورا كذلك بشبكات التجسس في كل من الكويت والبحرين والامارات وعمان واليمن واخيرا السعودية مرورا ايضا بالتصريحات العدائية من مختلف المسؤولين الإيرانيين والذي يقابلها دائما حلم خليجي رسمي تدعو إيران إلى احترام حسن الجوار والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج. هذا حقيقة ما تريده دول مجلس التعاون من ايران وبعده يمكن ان نرسي علاقات ودية مع ايران وباقي الكلام الجميل الذي قيل في المؤتمر. فدول الخليج دول تسعى الى احترام متبادل وتغليب المصالح على الايديولجيا.  كما يتبين لنا كقراءة اولية للمسار الايراني ان القضايا الجوهرية المتمثلة في الملفات الثلاثة لن تشهد أي تغير حقيقي الا على مستوى الخطاب او لغة الخطاب وليس في مضمون الخطاب. فاعتقادي ان خطاب روحاني سيكون خطابا يميل الى «الترغيب» اي اقل درجات الثورية بعكس خطاب احمدي نجاد الذي كان يعتمد لغه تميل الى «الترهيب والثورية». لكن النتيجة في النهاية هي عودة الى التقية السياسية التي كانت هي السمت العام للخطاب الايراني وما كان خطاب احمدي نجاد الا طارئ عليها.