مطلق العنزي

دولة الإخوان.. إذ تغيب الشمس..!

التراث العربي، وكذا التاريخ العربي، مليء بالأمثال والحكم والوقائع وأقدار نجاحات أنتجتها الحكمة والذكاء وأقدار فشل، أحياناً مجاني، أنتجها سوء التدبير وضيق الأفق..لكن من يعتبر.. وهل يوجد رجل رشيد..؟كثيرون من يتصدرون العمل العام في الوطن العربي (والعالم أيضاً)، يرتكبون نفس الأخطاء القاتلة التي تحبل بها كتب التاريخ وتشيعها في الأرض.وكان يمكن تفادي الأخطاء بومضة من فكر ذهن لماح، مع أن أبطال الأخطاء وفوارسها، قرأوا وقرأوا.. ويضربون أمثال الحكم في كل محفل، ويغدقون الكثير من الوعظ على المنابر ويوزعون النصائح، «سبيلا» على السائرين.. ثم، ويا للعجب، يرتكبون ذات الأخطاء التي ملأت صفحات التاريخ بانكسارات الرجال ونواحات المنكوبين..«الإخوان المسلمون» جماعة نخبوية مفكرة، ولا تنقص قياداتها المعرفة وفقه صناعة التاريخ، وهم ملأوا مكتبات الوطن العربي بأمثال «الحكم الرشيد» ودولة الرفاه.وبالنظر إلى هذا الثراء الفكري والمعرفي وفقه تفاصيل التاريخ وعلم الرجال، وقصص الأعلام التي يبرع فيها الإخوان المسلمون بصفة خاصة بين كل أحزاب العالم العربي، كنت أتوقع أنهم حينما يتولون السلطة وولاية الأمر في أي بلد سوف ينتجون نموذجاً فريداً لدولة الرفاه والحكم الرشيد، وسوف يقدمون للدنيا نظرية فذة جديدة في إدارة الدول وحكم الناس.ولكنهم ما أن تولوا السلطة، في مصر مثلاً، حتى عادوا «ربي كما خلقتني»، يتصرفون بفطرة الإنسان الطماعة النهابة الاستحواذية، وألقوا بمعارفهم في بحر الظلمات. تركوا كل شيء،  وتفرغوا لـ«التمكين» بأسلوب بائس ومرعب وفظ وجاهل وانتهازي، حتى استعدوا كل الأحزاب والتيارات والتنوعات السياسية. واستخف بهم الجميع وخشاهم الناس، إلى درجة أن سلفيي مصر، وهم الأقرب إلى نظرية الإخوان المسلمين في الحكم، قد اصيبوا بالرعب وسحبوا تأييدهم للإخوان، وربما ابتهجوا حينما هوت دولة الإخوان التي أبدت جشعاً مفرطاً للحكم والسلطان والإقصاء، بينما تفرض الحكمة أن بنت الجماعة ثقة مودة واطمئنان مع الناس، خاصة أنها تجربة جديدة وتسلط عليها الأضواء، وتحسب عليها كل الأخطاء والزلات.وفي الحقيقة فإنني أصبت بصدمة لأنني كنت اعتقد سابقاً أن الإخوان المسلمين أكثر نضجاً وأقدر على استلهام تجارب التاريخ وأكثر يقظة وتدبيراً وحكمة من أحزاب الخطابات الطنانة الرنانة الفاشلة.. لكن الإخوان، بعد التجربة المصرية، أثبتوا أنهم أهل تنظير وواجهات ويجهلون فن إدارة الدول والناس. وقدموا نموذجاً بائساً ضعيفاً مريعاً. مع أنني ضد الاتهام الجماعي، ولا بد أن في هذه الجماعة أفراداً على قدر من التدبير والحكمة، لكن يبدو أن الجماعة لفظت هؤلاء وحيدتهم، وقدمت للواجهة نماذج أطاحت بكل نضال الجماعة وتاريخها وأدبياتها وعظاتها. وتحتاج إلى زمن طويل حتى تستعيد ثقة الناس بها.وتر تنسج بهية أحلامها من زلال الماء الخالد..إذ اقدامها المتعبة، تغوص في الثرى..والنيل المهيب..تنشد مواويل للمراكب العابرة.. وتغني لسامقات الدلتا..وتبث للنهر العظيم  شجناً ودمعاً، وقبضة من ومض الشمس..