رحاب أبوزيد

انقذوا التخصصي !

أن تقتل مبدعاً ليس بأقل جرماً من أن تقتل طفلاً بريئاً أو عالماً حصيفاً.. فكلاهما يقضي على التطلعات وآفاق لم يطمثها من قبل إنس ولا جان، ومجال الإبداع في العمل مصدره الحوافز والترقيات والولاء. وبإقرار سلم الرواتب الجديد للكادر الصحي أصيب العاملون بجرحين غائرين أحدهما في الولاء والآخر في الأمل بالحصول على ترقيات! العجيب في الأمر أن بعض قرارات هذه الوزارة تعكس بعض عاداتنا الإجتماعية! اسألوني كيف؟ سلم الكادر الصحي الجديد المطبق على الممارسين الصحيين في المستشفيات التخصصية أسوة باخوتهم من منسوبي وزارة الصحة ما هو إلا تكريس لثقافة الحسد المتأصلة بيننا! وليس لتطبيق العدالة والمساواة كما هو الظاهر، لأن منسوبي المستشفيات التخصصية (بما في ذلك مستشفيات الحرس الوطني ووزارة الدفاع والطيران ووزارة الداخلية ووزارة الصحة ومؤسسة مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث) يعملون لساعات طويلة تصل إلى اثنتي عشرة ساعة يومياً ولا يعرفون معنى «البزوطة»! الذي سألت عنه بعدما غادرت عملي بالقطاع الصحي وعلمت أنه الاختفاء بطريقة «الشبح» دون أن يشعر أحد قبل انتهاء ساعات الدوام المحددة..العجيب في الأمر أن بعض قرارات هذه الوزارة تعكس بعض عاداتنا الإجتماعية! اسألوني كيف؟ سلم الكادر الصحي الجديد المطبق على الممارسين الصحيين في المستشفيات التخصصية أسوة باخوتهم من منسوبي وزارة الصحة ما هو إلا تكريس لثقافة الحسد المتأصلة بينناأصبحنا نجد كل مستشفى خاص أو حكومي يصف نفسه بأنه «تخصصي» دون أن يعتمد معايير قياسية لتقييم الآداء بناءً على المهارة والاحترافية في معالجة أصعب الحالات التي يحال كثير منها من مستشفيات الحكومة! وحتى من مستشفيات الدول المجاورة، والتخصصي تعني وجود تخصصات طبية دقيقة ونادرة، علاوة على أن «التخصصي» تلزم منسوبيها – عن طريق الولاء للمنظومة ككل - بالحضور والانصراف وفق أنظمة صارمة لا إهدار فيها للوقت أو تأخير عن تقديم خدمة لمريض، مما لا يدع مجالاً للزحزحة عن تسجيل مستوى إنتاجية مرتفع مقارنة بمن يعاينون في اليوم عشرة مرضى فقط! وليس أدّل على التدهور الإداري وتشوّش الرؤية في الوزارة إلا هذا القرار الذي أصاب مقتل الطموحات والرغبة في البحوث وطعن الأداء العالي وتحسين المهارات في الخاصرة.. وبخاصة لأولئك الذين يحاولون تطوير إمكانياتهم وقدراتهم ممن يعملون عشــر ساعـــــات إلى اثنتي عشرة ساعة متواصلة. وبهذا الكلام لا أقصد الأطباء فقط وإنما التمريض وأقسام التأهيل والعلاج الطبيعي وفنيي التصوير الإشعاعي والمختبرات والأقسام الطبية المساندة، وكذلك القطاع الإداري في المستشفيات المذكورة كان يحظى بميزات تساويه بالأجانب من الحصول على تذاكر سفر سنوية إلى بدلات لتعليم الأبناء وخلافه، وطارت أدراج الرياح كما استثنى القرار جميع الأجانب ويطبق على السعوديين فقط، مما أوجد بوناً شاسعاً في الرواتب وألغى قرار التخصصي بدليّ السكن والمواصلات!لي صديقة في مجال التأهيل الوظيفي والعلاج الطبيعي تعمل منذ عامين دون انقطاع لأن البديل لها غير متوفر وبذلك هي لا تستطيع الحصول على إجازة تقضيها مع أبنائها الذين لا يجدونها في آخر المساء إلا متهالكة أخذ منها التعب في خدمة المرضى كل مأخذ، وصفت تجميدها على درجتها الحالية لما يقارب الخمس سنوات بأنها كالتي تقف على السلم لا تطلع ولا تنزل! ونلحظ سوء تصميم السلم الوظيفي للكادر الجديد بحيث لا يتيح فرصة للترقية حيث أن سلّم الموظفين العام يحتوي على خمس عشرة فرصة ترقية، سلم القضاة وسلم الضباط على عشر فرص، بينما يحتوي سلم التعليم العام على ستة مستويات وسلم رواتب الأفراد على سبعة مستويات وسلم المعينين على بند الأجور أربع فرص فقط وسلم المستخدمين على ثلاث فرص فقط في الوزارات وفي التأمينات الاجتماعية بصفتها مؤسسة عامة خمس فرص. كان الأجدر رفع مستوى الإمكانيات البشرية في القطاع الحكومي بالتدريب والبعثات إلى المستشفيات التخصصية، كان ينبغي القضاء على البيروقراطية الإدارية ونقل تجربة التميز والتخصص من المستشفيات الكبرى إلى القطاع الحكومي، لا أن نفرط في أبنائنا المبدعين وأطبائنا والجراحين والممرضات والطاقم الطبي الفائق المهنية ونشهد تسربهم في هجرة معاكسة إلى القطاع الحكومي إو هجرة أبدية إلى خارج البلاد دون أن تحرك حكومتنا ساكنا! فالاستقالات يومياً من هذه المستشفيات صاحبة الانجازات الطبية العظيمة على مدى أكثر من ثلاثين عاماً مؤشر خطر وأسف.. فانقذوها من براثن الوزارة بالاستقلالية والاحتراف.