د. محمد حامد الغامدي

!بطالة عِلم وتخصصات أم بطـالة شـباب؟

** لأول وهلة.. تدمع عيناي حزنًا.. كان ذلك في مناسبة فرح.. الشعور بالمسؤولية يقين ناضج.. ليس بالضرورة أن تكون أنت المسؤول.. المسؤولية إحساس ضمير تجاه آخرين.. نتمنّى لهم الخير.. وعندما نعرف أنه شحيح تزداد التمنّيات.. وعندما نعرف أن منبعه جاف نبكي بألم.. تتبخر الأماني.. عندما نرى فرحهم قشرة هشّة.. فرح مبطن بالألم والمعاناة.. يعيشون مرارة الحقيقة.. قناعتهم تتعاظم.. بتخلّي الكل عنهم.. يتفرجون على معاناتهم.. يماطلونهم بأماني.. وقائمة وعود لا تتحقق.▪▪ (هل حصلتم على وظائف؟!.. لا.. ما السبب؟!.. التخصص غير معترف به في القطاع الخاص والقطاع العام).. هذه كلمات (شعر) نظمها خريجو جامعات أمام كاتبكم.. لها بقية.. تأسّست كلية العلوم الزراعية والأغذية.. بجامعة الملك فيصل.. عام (1975).. تخرّج منها عشرات الطلاب.. ولأول مرة في تاريخها تقيم حفلًا خاصًا لخريجيها.. جرت العادة على إقامة حفل واحد لكل خريجي الجامعة.إذا تعكّر صفو فرح الخريج قبل تخرّجه.. فهذا يعني أن الثمرة غير سليمة.. تحمل معاناة الجفاف.. يعني مرض الثمرة.. فكيف يمكننا التخلص من المرض؟!.. هل نتخلص من الثمرة أم نتخلص من مسببات مرضها؟!.. مع الإهمال تصبح الثمرة مضرّة ويجب التخلص منها.. هذا مع ثمار الباذنجان والبامية.. مع البشر يصبح الأمر أكثر تعقيدًا وقسوة.** خصوصية احتفالية.. حضر أولياء الأمور.. شارك أعضاء هيئة التدريس بالكلية.. الكل فرح ومبتهج.. الطالب بنجاحه.. الأستاذ بثمرة جهده.. ولي الأمر بنتائج ونجاح تعب سنين عمره وطول انتظاره.. هناك أيضًا الوطن.. يجني ثمرة النجاح النهائية.. ينشرها على جميع أرجائه.. إنجازًا وفائدة.. فخرًا وقوة. ** إذا تعكّر صفو فرح الخريج قبل تخرّجه.. فهذا يعني أن الثمرة غير سليمة.. تحمل معاناة الجفاف.. يعني مرض الثمرة.. فكيف يمكننا التخلص من المرض؟!.. هل نتخلص من الثمرة أم نتخلص من مسببات مرضها؟!.. مع الإهمال تصبح الثمرة مضرّة ويجب التخلص منها.. هذا مع ثمار الباذنجان والبامية.. مع البشر يصبح الأمر أكثر تعقيدًا وقسوة.** البعض لا يدرك خطورة معاناة الشباب وقهره بجور ما يحمل.. في الحفل.. أمامي طلاب يلبسون (عباءة التخرج) يمشون في مسيرة.. يقودها عميد الكلية.. قبل سنواتٍ دخلوا الجامعة ينظرون إلى المستقبل.. أمامي رؤوس لا نعرف ماذا تحمل.. رغم علامات الفرح.. والابتسامات.. ولأني قريب منهم.. أعرف أن الجميع متشبّع بخوف البطالة.. شبح ينتظرهم خلف سور الجامعة.**هل عليهم القبول بأي عمل أقل من مستوى شهاداتهم؟!.. عندها يتحوّلون إلى (حجر).. فقد يُستخدم للبناء.. وقد يُستخدم لأغراضٍ أخرى.. عندما يتحوّل الخريجون إلى صخور في حاويات الطحن.. فهذا يعني تعدّي على كرامتهم.. وعلى حقوقهم.. وعلى مستقبلهم.. هذا يعني تعدّيًا على مستقبل أمةٍ بأسرها.** أدرك.. وأعرف أن فرح الطلاب أمامي غير حقيقي.. الابتسامة خلفها مكامن للتساؤلات الخطيرة.. عندما يأتي طلابك يشتكون.. فهذه إدانة للجميع.. تلقيت رسالة من طلاب رأيتهم على منصة التخرج.. رسالة جعلتني أقف موقف العاجز الباكي.. يرى أفئدة الشباب تحترق أمامه.. همًّا وكبدًا وحزنًا على أوضاعهم ومصيرهم.. يصرخون ولا أحد يسمع.. يتحدثون ولا أحد يهتم.. تأتي الوعود بالمزيد من المعاناة.. الأمل لا يتوقف.. ولكن العمر يتوقف عنوة أو قضاء وقدرًا.** إليكم فقرة من رسالة طويلة.. تلقيتها من طلاب خريجين أعرفهم جيدًا.. شاركت في بناء معرفتهم.. وصُدِمت بوضعهم.. يقولون: (هندسة التصنيع الغذائي اسم جميل في الظاهر.. وواقع أليم للمتخصّصين فيه.. هذا التخصّص الجديد على بلادنا.. والذي لم يعرف أحد يحمل لقب (مهندس تصنيع غذائي) إلا طلاب جامعة الملك فيصل.. كلية العلوم الزراعية والأغذية فتحت تخصّص جديد بلا سابق إنذار.. وبلا تهيئة ودراسة مستقبلية لهذا التخصص في المملكة العربية السعودية).** فقرة من فقرات توحي وتقول.. وهناك شكوى من كل تخصص جديد.. طلاب يُقيّمون كلية.. ينتقدون كلية.. يضعون قضيتهم على مشرحة الواقع الأليم.. ما يقوله هؤلاء الطلاب صحيح بكامل أبعاده.. بكامل حقائقه.. ما يقوله الطلاب صحيح حتى وإن كان خطأ.. لا يبحثون عن الأقوال والوعود.. يتطلعون إلى الإقناع بالأفعال.. ما يقوله الطلاب مؤشر على التناقضات.** التغيير والتطوير ليس خواطر.. ليس جرّة قلم على معاملة تحمل رأيًا متسلطًا.. يمثل الاجتهاد والتخبّط.. يمثل التصرّفات النرجسية المعتوهة والقاصرة.. التطوير رؤيا واستراتيجيات وخُطط وبرامج.. ترسمها بيوت خبرة متخصصة تربط بين عناصر النجاح لتشكّل الثمرة السليمة في نهاية المطاف.**لا يمكن تطوير الجامعات.. بمعزل عن تطوير عام لكل القطاعات ذات العلاقة.. بهدف استيعاب التغيير والتطوير.. في غياب هذا التطوير العام.. تكون التناقضات.. ويكون الهدم والمصادمات.. معها تصبح الأمة ضحية تضارب المصالح وتناقض الأهداف.. إذا أصبح شباب البلد ضحية التخبّط والاجتهادات.. فسيتحوّل البلد بكامله إلى شيء لا ينبغي أن يكون.. البطالة في وجود الإمكانيات مظهر من مظاهر التخبّط.. عدم حلها فساد عظيم.. استمرارها يعني أشياء كثيرة.. هل المسؤول المناسب في المكان المناسب؟