حمد إبراهيم الباهلي

أم سالم..المُغنية

التشدد في الأفكار يقود إلى التشدد في الأفعال.التشدد في الأفكار ليس محصوراً في فرع من فروع الفكر، فالتشدد موجود وبنسب متفاوتة في الفكر السياسي والديني والاجتماعي بل وفي الفلسفي وفي الآداب والفنون. من اكثر انواع التشدد المعاصر، التشدد الديني الذي يقف اليوم خلف العديد من المشاكل والمآسي التي يضفي عليها التشدد التباساً معقدا حول علاقتها  بالإسلام وبالتالي علاقة الإسلام بالإرهاب المدمر للارواح والممتلكات فضلاً عما  يلحقه لسماحة الدين من تشويه وأضرار ليس فقط في بلادنا بل في بلدان العالم اجمع. في بلادنا، رافق التشدد الديني كل مراحل بناء الدولة منذ التأسيس حتى يومنا هذا وتجلت مآسيه على الناس والدولة في أكثر مناسبة تاريخية على شكل (صحوات) مزعومة.مع أولى خطوات التأسيس للدولة الوليدة، تشكلت نواتهم وعلى مدى سنوات عصيبة، جرى الحوار معهم بالتي هي أحسن وصولاً إلى مؤتمر الرياض مع زعمائهم وما تلاه من توترات قادت إلى هزيمتهم النكراء في معركة السبلة في العام1927وبداية معركة البناء للمجتمع الجديد في المملكة العربية السعودية.

إذا كان انتصار الإنسان على الحيوان مذموما ومكروهاً كما في مصارعة الثيران، فإن ( الانتصار) وتحطيم عود ومرواس ليس امراً جديراً بالاحترام في طرق الدعوة لقيم ومبادئ الإسلام المحددة بالتي هي أحسن

قبل ذلك، وفي أوج غطرستهم، لم يقتصر أذاهم على عرقلة عملية بناء الدولة ،بل امتد إلى حياة الناس الخاصة في مشاعرهم وطرق عيشهم للأفراح والأتراح.حُرِّم الغناء في المدن والأرياف واصبح الفلاحون يرددون سراً أغانيهم في المزارع وكذلك فعل الرعاة وعشاق الصحاري وعاش الناس في غُمة. حتى الطيور المغردة لحقها التقريع. أم سالم طائر صحراوي متخصص في تخفيف معاناة سكان الصحراء عبر الصوت الجميل، اصبح صوته موضع شبهة. صديقه الشاعر اشفق عليه وهو يراه يواصل الغناء رغم اتهامه (بالنفاق) من ( الإخوان ) ومريديهم فقال:يام سالم لاتجين منافقيهكل يوم تزعجين من الغوانيتحسبين الدين دين الجاهليةمادريتي عن تصاريف الزمانيكم من الدموع ستذرف أم سالم لو شاهدت احتفالية النسخة الرابعة من  طقوس التشدد والمريدين يحطمون بأيديهم واسنانهم آلات موسيقية ( عود ومرواس) على شريط اليوتيوب بالرغم من كل الفتاوى التي تبيح الغناء والموسيقى على لسان العديد من رجال مشهود لهم بالاهلية الشرعية ومن بينهم مشايخ سعوديون. الذين قاموا بإعدام الآلات الموسيقية لم يعدموا أدوات مادية بل أرادوا إعدام من يحب الموسيقى ولا يمجد نقصان العقل الذي هو اكبر نعمة منحها الله للإنسان. حتى لو كانت الموسيقى والغناء موضع خلاف بين العلماء فالدين النصيحة. وإذا كان انتصار الإنسان على الحيوان مذموما ومكروهاً كما في مصارعة الثيران، فإن ( الانتصار) وتحطيم عود ومرواس ليس امراً جديراً بالاحترام في طرق الدعوة لقيم ومبادئ الإسلام المحددة بالتي هي أحسن. لا أظن أن مسلماً عاقلاً سينصح مسلماً بمشاهدة الشريط المذكور لأن فيه آفات على العقل والفطرة السليمة.