د.إحسان علي بوحليقة

ليست طائفية بل نرجسية

ليست هذه محاولة لتسطيح أو تبسيط الجدل الطائفي المحتدم صعوداً وهبوطاً لأجيال متعاقبة، لكننا بحاجة للتفريق بين ما هو جدل طائفي: أي تجاذب عقائدي أو عقدي، وأن يرفض كل أصحاب مذهب المخالفين لهم ووصمهم ووسمهم، والجميع يتحدث وفي ذهنه المذاهب ضمن دين واحد، لكني وجدت أن القضية لا ترقى برمتها لعدم قبول الآخر، بل إن جزءاً مهماً منها مرده نرجسية وتمحور حول الذات، فمثلاً لو أنك اختلفت مع شخص حول أي قضية ـ مهما كانت تفصيلية ـ فالاحتمال كبير أن يصل التجاذب لدرجة متقدمة من التباغض. خذ مثلا النقاش الذي يدور حول الأجهزة المحمولة الذكية وتفاوتها وانقسام الناس لمعسكرين، أو النقاش الحاد بين مؤيد ومعارض لمسلسل عرض في رمضان، أو لنقاش حول رئيس دولة اطيح به، أو حول مشاركة مواطنات في الألعاب الأولمبية، أو أي قضية أخرى مهما كانت تفصيلية والأمثلة أكثر من أن تحصر.ولست مختصاً في العلوم النفسية ولا السسيولوجية، لكني أدرك أن مستوى التأهب لدى شريحة عريضة للانقضاض على من لديه رأي آخر ظاهرة تستحق التوقف والتأمل والدراسة والتمحيص، لاسيما أن إبداء التعارض في وجهات النظر عادة يصاحبه عنف وفظاظة، لذا، أعود لمركز الحوار الوطني مقترحاً عليه إعداد منهج دراسي تحت مسمى «سلوكيات ومهارات الاتصال» يتناول نواحي علاقة الإنسان بالآخرين حوله وأنواع العلاقات والصلات، وأنها تتعدد وتتنوع بما في ذلك صلة القرابة بالدم أو النسب، وأن الصلات العقائدية تتفاوت كذلك، وأن هناك صلات المواطنة، وصلات الصداقة والزمالة والمعرفة، وأن لكل صلة التزاماتها وطرائق المحافظة عليها وتقويتها من قبل الفرد والجماعة، وأن التفاوت بين البشر ليس حكراً على بلد أو قارة بل سمة، فالناس يتفاوتون في سماتهم الخلقية وتوجهاتهم الفكرية وفي طبائعهم، وبالقطع فلكل إنسان رشيد عقل وتكليف يحددان صلاته بالآخرين وكيفية التعامل والتواصل معهم. إن منهجاً دراسياً من ذلك النوع سيمنحنا الكثير مثل مهارة التعامل مع الآخرين دون إلغاء الاختلاف والتنوع، ودون أن ينتهي الأمر إلى تلاسن أو تشابك أو قطيعة، فزينة الانسان عقله وعندما يفقد الشخص منا رشده ولو للحظات يكون قد فقد رجاحته وعدله وهما ما لا يجوز لأحد التخلي عنهما ولو للحظة شاردة.