فرحان العقيل

ابتسام عرفي .. تجسّد معاناة اليتم

اليتم « جرعة ألم مستدامة لا يستشعرها إلا من ألمت به ظروف سوادها البغيض وانقطعت عنه نظرة كلا الأبوين أو أحدهما الحانية المشبعة بكل المعاني وحلقات الوصل بالدنيا ومعانيها وموجوداتها , كنت قد وعدتكم بالإبحار فيما قرأت خلال إجازتي فلم أجد أجمل من التذكير بالأيتام في هذا الشهر الفضيل فـ كفلهم جار النبي عليه الصلاة والسلام في جنات الخلد وهو من سعداء الدنيا أيضاً جزاء صنيعه الشهم الممزوج بالعطاء والإيثار ,

« فكافل اليتيم والقائم على رعايته والمحسن إليه يمد جسوراً انقطعت ويرمم نفوساً انهزمت ويقيل عثرة تكاد تكبر وتتشظى ويلم شعثاً ويجبر كسراً ويرسم بسمة قبرتها صروف الدهر تحت التراب , فكانت الكاتبة ابتسام عرفي تسقط من بين حروف روايتها « غربة الروح « حزماً من ضوء يتمادى بين الحرارة المحرقة وبرد موسم الشتاء في مدينة تبوك الموطن الأول لبعض شخوص الرواية الثلاث بنات « الأيتام الصغار» 

ظل جرح اليتم نازفاً تغذيه شرور زوج العمة بالعفن وسلوك الشذوذ الذي حمل البنات الثلاث بمساعدة الخيرين إلى دار اليتيمات ولتتوالى حلقات الحنق على ظروفهن في استغلال بشع من ربة الدار العاقر التي خطبت نورا لزوجها لمجرد تمرير رغبات الخلفة منها واستئصال أمومتها في تكريس مستمر لحالة اليتم والضياع الذي لم تسعفه أموال ربة الداروكيف عصف بهن الدهر بعد وفاة كلا والديهم ثم عمتهم التي رعتهم قسطاً من الوقت تزيح عنهن زمهريره  بحنانها ودعواتها المؤمنة وجمر « المنقل « الذي اعتاد أهل تبوك التحولق حوله لتصنع من بين برد تبوك القارص دفئا للأسرة التي تشكلت من بين أبنائها ويتيمات أخيها الصغار واللاتي تكبرهن « نور « بسنها ومعاناتها مع تحرشات « وليد « ابن العمة والذي كان سبباً في صدمة والدته ثم وفاتها ليظل جرح اليتم نازفاً تغذيه شرور زوج العمة بالعفن وسلوك الشذوذ الذي حمل البنات الثلاث بمساعدة الخيرين إلى دار اليتيمات ولتتوالى حلقات الحنق على ظروفهن في استغلال بشع من ربة الدار العاقر التي خطبت نورا لزوجها لمجرد تمرير رغبات الخلفة منها واستئصال أمومتها في تكريس مستمر لحالة اليتم والضياع الذي لم تسعفه أموال ربة الدار التي اختفت مع زوجها بولدين كانت نور قد أنجبتهما وبنتا أخرى ظلت بين أحشائها دون أب يعرف سوى أن ابن الجيران القديم للعمة مد يد لم تُكمل العطاء إثر موته الأليم في حادث مروري أعقب الزواج بنور وبعد أن سجل الوليدة الجديدة باسمه بعد اختفاء والدها وزوجته العاقر خلفة وشهامة , عموماً أحداث قصة نور وأخواتها اليتيمات كانت مستمرة حتى بعد انتقالها إلى بلدة بحرة حول مكة المكرمة ثم إلى جدة حين ظن الجميع بها الشؤم إثر توالي المصائب فيمن حولها دائماً فكانت جدة ببحرها وخليط سكانها تطبب في النفس ببعض معطيات الزمن وابتسامته المتقطعة ليلتئم شمل أسرتها مع زوجها الهارب وأبنائها وتلك البنت التي عصف بها الزمن هي الأخرى بسبب الفقد والبعد عن الأب فزل بها الطريق لولا بعض عنفوان الأم نور أمام غائلات الزمن , قصة نور وغربة الروح عنها لم تنته بالصفحة الأخيرة من رواية ابتسام عرفي التي صنعت من الأماكن وشخوصها رواية تلامس الواقع في الكثير من مكونها السردي المحبوك في مضمون الرواية التي لاقت رواجاً مكثفاً وسريعاً بين القراء فتظل المعاناة ملموسة في حياة من أجبره اليتم على معايشة شخوص لا يرحمون وأياد لا تمتد إلا بالشوك والسياط فربما في كل حارة وفي كل ثنايا المدن من يسامر الليل بنفس شجون تلك المكلومة , كانت هذه قراءتي وفهمي للرواية بينما مسلسل تبعات اليتم ماض بيننا يفتش عن القلوب الرحيمة والأيادي الحانية , فهل نكون جميعاً سياجاً للأيتام من صروف الدهر ونصنع نحوهم  ولو قليلاً من الرحمة , فلنتذكر في رمضان من حولنا من الأيتام .