د. ابراهيم العثيمين

إفلاس التقية السياسية في الخطاب الإيراني

في كتاب The Truth About Lying in International Politics Why Leaders Lie

لماذا يكذب القادة (الحقيقة حول الكذب في السياسة الدولية) والذي ألفه  جون جي ميرشايمر  John J. Mearsheimer أحد أهم المفكرين الواقعيين على صعيد السياسة الخارجية Realist  ومن أكثرهم تأثيرا في العلاقات الدولية في العالم.  ينطلق ميرشايمر  في كتابه من قناعة راسخة لديه أن الكذب بين الدول في كثير من الأحيان يكون لأسباب إستراتيجية والتي يطلق عليها في أحد فصوله باستراتيجية التستر أو التكتم باستخدام دبلوماسية الرياء. هذه الاستراتيجية يقابلها في الخطاب الإيراني ما يمكن أن نطلق عليه بالتقية السياسية والتي تعتبر نسيج  نظام الملالي وإحدى الركائز الأساسية  التي يستخدمها النظام في توجيه علاقاته الدولية. هذه التقية السياسية تحولت إلى سلوك شبه جماعي بعد أن تخمرت بالإيدلوجيا الدينية  التي يؤمن بها  الكثير من الآيات ورجال الدين والساسة الإيرانيون منذ بداية الثورة الإيرانية في 1979 منذ ان ابتدع الإمام الخميني مصطلح الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر إشارة إلى أمريكا وإسرائيل والتي أصبحت فيما بعد الديباجه الإيرانية التي يبتدىء بها نظام الملالي خطاباتهم. هذه التقية التي فرضت نفسها في ساحة الصراع السياسي والتنافس الإقليمي وصلت إلى حد الإفلاس مع وصول أحمدي نجاد ذي التركيبة المعقدة والخلفية الرثة من حيث منشئه الاجتماعي وسلوكه الاجتماعي وخطورة تقلباته العقلية.

التقية السياسية تحولت إلى سلوك شبه جماعي بعد أن تخمرت بالإيدلوجيا الدينية  التي يؤمن بها  الكثير من الآيات ورجال الدين والساسة الإيرانيون منذ بداية الثورة الإيرانية في 1979 منذ ان ابتدع الإمام الخميني مصطلح الشيطان الأكبر والشيطان الأصغر إشارة إلى أمريكا وإسرائيل والتي أصبحت فيما بعد الديباجه الإيرانية التي يبتدىء بها نظام الملالي خطاباتهميستخلص ميرشايمر في كتابه بأسلوب منهجي تحليلي أساليب ينتهجها أي نظام في الكذب في إطار العلاقات مع الدول الأخرى والتي سوف نحاول هنا إسقاطها على التقية السياسية الإيرانية.  تتلخص أول هذه الاساليب  في المبالغة في تقييم القدرات الحربية بهدف الردع، مثلما حدث خلال التسعينات ويحدث هذه الأيام من الدعاية والضجيج الاعلامي الذي يرافق الادعاءات الإيرانية بشأن منظمة  الصواريخ  التي تمتلكها والتي تحاول إيران من خلالها  اظهار مكانتها كقوة اقليمية  والتي أظهرت كثير من الأبحاث والدراسات أن التقنيات  ما هي الا تقنيات مستوردة من كوريا الشمالية والصين و روسيا والتي اتخذت سلسلة صواريخ شهاب 1 و2 و3  وما بين 40 و 60 في المئة من هذه التقنيات معطل بسبب العقوبات بحسب تقديرات مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن (CSIS) لعام 2010م  .أما ثاني هذه الأساليب حسب ميرشايمر، فهي تزييف الحقائق ونشر الاكاذيب بغرض التستر على  تقنية معينة او سلاح بعينه تجنبا لإثارة الرأي العام الدولي والمجتمع الدولي. ومثالها التستر الإيراني على المجتمع الدولي  بخصوص برنامجها النووي طوال فترة التسعينات  فعندما انكشف أمر أنشطتها السرية في منتصف 2002 على يد عضو المجلس القومي للمقاومة في إيران (BCRI) علي رضا جعفري زاده الذي كشف للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران لا تملك فقط مصنعا معلنا للطاقة النووي في بوشهر وإنما أيضا مرفقين نووين آخرين غير معلنين: مصنع لتخصيب اليورانيوم في ناتانز وآخر للماء الثقيل في آراك ومنذ ذلك الوقت ومع وصول أحمدي نجاد وسلسلة الأكاذيب التي اتبعتها  إيران في المفاوضات فاقمت من أزمة الثقة لدى المجتمع الدولي مما ترتب عليها إصدار سبعة قرارات من مجلس الأمن إضافة إلى الحظر الذي فرضه كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي على صادرات النفط الإيرانية إضافة إلى عدد من العقوبات والتي أدت الى  تعميق عزلة إيران الدولية.ثالث هذه الأساليب يرتبط بإخفاء حدة الكراهية الكامنة لنظام معين. والمثال الأكثر تعبيرا في هذه الحالة هو ما ذهب إليه أحمدي نجاد من استعداد بلاده للتعاون مع دول الخليج والدول الإقليمية الأخرى لحفظ الأمن والسلام في منطقة الخليج العربي ثم تبع ذلك  سلسلة من التصريحات الاستفزازية من محترفي التهريج الخطابي تجاه دول الجوار. فيما  يخص البحرين  أطلق مجموعة من النواب الإيرانيين تصريحات جوفاء وصل بعضها إلى حد المطالبة بـ«ضم البحرين إلى إيران»،  فعلي أكبر صالحي يؤكد أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي في حال أي تدخل لإبادة الشيعة في البحرين . ويضيف  علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإسلامي في إيران أن البحرين ليست لقمةً سائغةً تبتلعها السعودية بسهولة . ردا على القمة الخليجية التي أقيمت في الرياض والتي بحثت مشروع اتحاد فيدرالي بين الرياض والمنامة ، وكان النائب حسين علي شهرياري، ممثل أهالي مدينة زاهدان، قال مخاطباً رئيس المجلس «كما تعرفون فإن البحرين كانت المحافظة الرابعة عشرة في إيران حتى عام 1971، ولكن - مع الأسف - وبسبب خيانة الشاه والقرار السيئ الصيت لمجلس الشورى الوطني آنذاك، فإن البحرين انفصلت عن إيران.  في حين تتعلق الرابعة بالتهديدات الكلامية التي تهدف من خلالها دولة  إيران إلى تغيير سلوك دولة بما يخدم مصالحها وأبرز مثال هو تهديد طهران بإغلاق مضيق هرمز وقطع شريان الملاحة النفطية فيه في حال أقدمت الدول الغربية على مزيد من العقوبات.  وقد أصبحت هذا الورقة بمثابة  تهديد تستعمله إيران  في كل أزمة تواجهها مع العالم الغربي لاسيما في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية.  فقد أطل علينا نائب الرئيس الإيراني محمد رضا رحيمي عدة مرات يصرح  أنه إذا ما أقدم الغرب على منع  تصدير النفط الإيراني فإن طهران سترد بإغلاق مضيق هرمز «ولن تسمح بعبور حتى نقطة نفط واحدة». واعتبر قائد البحرية الإيرانية حبيب الله سياري أن «إغلاق المضيق يُعتَبر بالنسبة للقوات المسلحة الإيرانية أبسط من ارتشاف قدح من الماء» إلا أن سيناريو إغلاق المضيق حسب رأي كثير من الخبراء والمختصين  يُعد سيناريو خطيرا وكارثيا بالنسبة لإيران نفسها ، فلن تكون آثاره مقتصرة على الدول المستهلكة لنفط الخليج فحسب، بل ستتجاوز تبعاته إلى التأثير على الاقتصاد الإيراني نفسه والذي يعاني من تدهور وانكماش فالمضيق منفذ رئيسي لمعظم نفطها المصدَّر للخارج، كما سيكون الإغلاق بمثابة إشعال صراع عدائي ضدها وذريعة للجوء لاستخدام الخيار العسكري لمواجهتها.