خالد الناصر

جاتها هدية

إحدى المذيعات الصاعدات في قناة خليجية عرضت صورتها على حسابها بتويتر  وهي تقود سيارة فاخرة من نوع ( بنتلي )، و قد يجهل الكثيرون من محدودي الراتب ( مثلي)  سعر هذه السيارة الحقيقي ولكن بسؤال المهتمين بالسيارات وأنواعها سيعلمونك بأن سعر هذا النوع من السيارات قد يتعدى المليون ريال، والمليون ريال لمحدودي الراتب ( وكثير  ما هم ) هو مجموع رواتب الموظف منهم لعدة سنوات بدون صرف أي هللة من هذا الراتب.ولهذا كان استقبال الكادحين في تويتر  لهذه الصورة حافلاً  كما جرت العادة بالسؤال عن مصدر هذه السيارة الباهظة الثمن لمذيعة في قناة لا تصنف قطعاً من قنوات الخمس نجوم،  سؤال ( من أين لك هذا؟ )  طرحه الكادحون بطريقتهم وتندروا بطريقتهم أيضاً من إجابة أن السيارة ( جاتها هدية ) . وعلى نفس منوال الهدايا قامت كيم كارديشيان النجمة المشهورة بإهداء صديقها سيارة لمبرغيني تبلغ قيمتها كما تذكر الصحف قرابة ال 750 ألف دولار  ، ومن المؤكد بأن كل قارئ كادح سيتذكر في وقت قراءته لهذا الخبر جميع فوائد الصداقة التي تعلمها من المدرسة و سيصدق قلبه على جميع أمثال الحث على الصديق الطيب التي سمعها من أفواه المقربين له ، سيتذكر الآن بأن الصديق وقت الضيق وبأن الصديق مفتاح الفرج وبأن الصديق كنز لا يفني .الفرق الجوهري بين الحادثة الأولى التي ذكرت والتي جرت  في دولة عربية وبين الحادثة الثانية التي جرت في دولة أجنبية ضبابية المشهد في الحادثة الأولى وشفافيته في  الثانية وهذا هو المعتاد في الدول الديمقراطية وإن  عدت المسألة من المسائل الشخصية، وضبابية المشهد وأحقية الشخص في التكتم عن مصادر حصوله على الهدايا جعلها وسيلة مثلى من وسائل ممارسة الفساد بصورة مشروعة .ومن ذلك ظهور الرئيس المصري المخلوع محمد حسني مبارك منبطحاً في قفص الاتهام  مرتدياً ساعة باهظة الثمن قدرتها احدى المواقع بمبلغ قد يصل إلى مائة ألف ريال وهي الصورة التي  أثارت المزيد من مشاعر الغضب والكره من الشعب المصري لهذا الرجل لعلمهم بأن هذه الساعة هي عبارة عن هدية بسيطة من الهدايا العديد التي وصلت للرئيس المخلوع وعائلته . يحز في النفس هي أن كثيرا من الدول العربية لا تضع نظاما شفافاً وصارماً لقضية الهدايا المهداة للمسئولين في مقابل ما تقوم به الأنظمة الديمقراطية في الدول الغربية وحتى الشرقية منها بمحاسبة كل مسئول يستلم هدية سعرها يتجاوز الحد دون أن يفصح عنها أو يسلمها للدولة ، وهذا هو ما يفترض أن يطبق وأن يعمل به في الدول العربية والإسلامية والتي تبين مصادرها التشريعية وجوب الإفصاح عن هذه الهدايا وتسليمها لبيت مال المسلمين فعن النبي صلى الله عليه وسلم  أنه أرسل رجلا على الصدقة فجاء فقال: هذا لكم، وهذا أهدي لي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى يهدى لك . ظهور الرئيس المخلوع وهو مرتد الساعة في قفص الاتهام قد ينطلق من شعوره بأنه لم يرتكب جرماً بتقبله للساعة إن كانت هدية حتى يخفيها فهو لم يسرقها ولم يستول عليها غصباً فهي مجرد ساعة ( جاءته هدية ) يشبه في ذلك من يستعرضون بسياراتهم وبسفراتهم وبغيرها من الأمور التي لا تتناسب مع إيراداتهم المالية لأنهم لن يروا أي حرج في أن يجيبوا من يستفسر مستغرباً بأن هذا أو ذاك ( جاءنا هدية )  .