خليل الفزيع

ويبقى الفقر ما بقي الفساد

إذا كانت البطالة من أسباب الفقر، فإن الفساد المالي لا يقل فاعلية في انتشار الفقر، والحيلولة دون الأمن الحياتي الذي يطمح له كل مواطن، في كل بقاع الدنيا، فالفساد المالي لا يدمر الاقتصاد فقط، ولا يؤخر التنمية فقط، ولا يعيق الإنتاج فقط، ولكنه إلى جانب ذلك يدمر الذمم، ويشيع النقمة، ويجر إلى أسوأ الأخلاق، وأكثرها قضاءً على الخير والأمن والمحبة، كما أنه يشكل عاملا حاسما في دفع الأفراد في كل المجتمعات إلى البحث عن ما يعين على الحياة، وبالطرق غير المشروعة، فالجائع لا يتردد عن ارتكاب الموبقات، وهذا الجائع لا يفكر في مصدر قوته قبل أن يستعيد قدرته على تمييز الأمور، وليس الجوع إلى الطعام هو فقط ما يقود إلى الأمن في كل نواحي الحياة، بل هناك الجوع إلى الحرية والكرامة والعدالة والشعور بالأمن والاستقرار. الفساد أنواع، وأكثرها ضررا هو الفساد المالي، الذي يقود إلى الفساد الإداري والفساد الأخلاقي والفساد الاجتماعي والفساد العقدي، ولذا كانت محاربة الفساد المالي من الأولويات التي اهتمت بها الدول، وحاولت القضاء عليها بشتى الوسائل والسبل، ولن تقوم قائمة مجتمع يسوده الفساد المالي، عندما تذهب ثروات الوطن إلى فئة أو فئات قليلة، وتحرم منها الأكثرية من المواطنين، دون وجه حق، وما من طبقة تنمو ثرواتها في أي مجتمع إلا على حساب طبقات أخرى لا ذنب لها إلا أنها نشأت في أسر لا تتمتع بالجاه أو السلطة أو المحسوبية، وكلما ازداد الغنى عند فئة ما في مجتمع ما، ازداد الفقر في فئات أخرى في المجتمع نفسه، خاصة إذا انعدمت في هذا المجتمع فرص التنمية التي تتيح العمل لأكبر قطاع من أفراد ذلك المجتمع،لا عجب أن يسود الفقر في مجتمعات يسود فيها الفساد، وسوف يبقى الفقر ما بقي الفساد. الفساد أنواع، وأكثرها ضررا هو الفساد المالي، الذي يقود إلى الفساد الإداري والفساد الأخلاقي والفساد الاجتماعي والفساد العقدي، ولذا كانت محاربة الفساد المالي من الأولويات التي اهتمت بها الدول، وحاولت القضاء عليها بشتى الوسائل والسبل، ولن تقوم قائمة مجتمع يسوده الفساد المالي وليست مشاريع التنمية هي المطلوبة في حد ذاتها، بل المطلوب هو تنويع مصادر الدخل الوطني، وتوظيف الرأسمال الوطني في مشاريع الصناعة والزراعة وبناء المواطن القادر على تحمل مسئولياته بوعي ينقذه من الوقوع في مستنقعات الفساد، فمشاريع التنمية في حد ذاتها قد تكون مصدر فساد، إذا انعدمت موازين الرقابة الصارمة، وإذا تسرب التسيب والإهمال في التنفيذ، وتوغل في شرايين تلك المشاريع التي يمكن استغلالها من أصحاب النفوذ لزيادة ثرواتهم، وتضخم مدخراتهم، التي لا توظف في العادة إلا فيما يعود بالنفع على أصحابها بصفة خاصة، وليس على الاقتصاد الوطني بصفة عامة، وربما قاد تراكم الثروات إلى ممارسات غير أخلاقية، ولا يزال الإعلام الغربي المسيس ينقل الكثير من صور الممارسات المعيبة لأثرياء العالم، والذنب في مثل هذه الحالات ليس ذنب ذلك الإعلام، بل هو ذنب الأثرياء الذين يرتكبون من الحماقات ما يدفع ذلك الإعلام إلى نشر غسيلهم القذر في كل العالم. ولعل أثرياء العرب قد بلغوا الرقم القياسي في استغلال الثروات بشكل غير طبيعي، إما عن طريق الاستيلاء على المال العام، أو عن طريق التحايل على الأنظمة والقوانين، وهذا ما كشفته أحداث الربيع العربي في أكثر من بلد عربي.