د. محمد حامد الغامدي

حقوق صالحة لو كانوا يعدلونحقوق صالحة لو كانوا يعدلون

**في معتقداتهم البيئية.. هناك مسارات عذاب وشقاء.. يجب تجاوزها.. أولها التربية.. وإعداد (صالحة) لرجل آخر.. يعني أن (ملكيتها) ستنتقل إلى عائلة أخرى.. أما الرجال فهم (ملك) الأرض.. خُدّامها المخلصون.. تستعبدهم مدى الحياة.. يعتنون ويعمرون.. يعاملونها كأنها كائن حي.. ولها أسماء مثلهم.. كل ارض تحمل اسمًا معروفًا للجميع.. إلى هذه الأرض يوجّه كل نشاطهم اليومي.. خبراء في مجال خدمتها.. لا يملكونها.. لكنها مقدّسة.. هبة الله لهم.. هي كجزء من أجسادهم.. وهل يستطيع الفرد التخلص من ذراعه.. أو بيعها لأحدهم؟!.. أو حتى التبرع بأي عضو من هذا الجسد؟!**يقولون الولد وما ملك لأبيه.. ولكن أين البنت من هذه المقولة؟!.. البنت لا تملك.. تتحوّل في عالم الرجال إلى (آلة) للإنجاب.. هي وظيفة النساء الأولى والمهمة.. بجانب وظائف أخرى تزيد من تعبها.. ومعاناتها وشقائها النفسي والجسدي.. حتى مع أبنائها الذكور.. أما الزوج فسيكون عدو أهلها لا محالة.. صالحة سترث.. نعم سترث الأرض.. وهذه كارثة الذكور في القرية.. الرجل بزواجه يكسب.. البنت بزواجها تجعل أهلها يخسرون.. تستقطع بعض الأراضي الزراعية.. لرجل آخر غريب عن أهلها.. يتم تربية (صالحة) لرجل آخر..  تنشئة بمواصفات وشروط تحقق التطلعات الاجتماعية.. كنتيجة تزداد أهمية المرأة بزيادة عدد أبنائها الذكور.. ويقل حظها بعدد زيادة إنجابها من الإناث.. بهذا العُرف ينقبض صفاء وجه الرجل بنبأ ولادة البنات.. ويتمدد صفاء الوجه وتزداد مساحة البهجة بنبأ ولادة الذكور. **وفي حربهم الضروس مع أنفسهم.. يزرعون البذور.. لقهر حقيقة ارث النساء.. يزرعون في وجدان النساء الشيمة.. ولها معانٍ وأبعاد يتشبّعون بها لتصبح معايير ثابتة وناضجة لا يحيدون عنها.. الشيمة هنا تعني (التنازل) بكل حقوقها لإخوانها الذكور.. تنازل بدون ثمن.. تنازل عن طيب خاطر.. حتى وإن كرهت.. لابد أن تبدي لهم سعادتها بهذا التنازل.. بالمقابل تحصد سمعة الموقف الطيّب من بقية أهالي القرية الذكور.. وفي خطوة أخرى.. يزرعون في وجدان الرجال الشيمة والاعتزاز بالأخوات.. وحملهن في أوقات الشدة..خرجت «صالحة» من بطن أمها تصرخ.. وعاشت تئن وتصرخ.. وماتت صامتة.. بقدومها إلى الدنيا شكّلت الكثير من التساؤلات.. لم يبتهج الأب.. لكنه تقبّل وجود «صالحة».. عليه حمل عبء إعدادها.. وتربيتها لرجل آخر.. هذا وخز التفكير الأول بعد نبأ قدومها.. مؤشر على المعاناة.. رغم الغيرة والحب والشهامة والشيمة.. صنوف ذهبية يكنزونها للمرأة في نفوسهم.. رغم سعير لهيب حياتها مع هذا الرجل.. المرأة عار مثل الأرض.. عار بيعها.. الموت ولا العار.. هكذا يؤمنون بقدسية الأرض التي يزرعونومنها ضمان الحياة الكريمة بعد الطلاق.. أو في غياب الذرية بعدم الإنجاب.. أو عثرات الزمن التي يتقلبون في مسارها.. ومنها المرض العضال.. الأهم تعزيز حياتها حتى في ظل الزوج.. بالزيارات.. والعطايا.. والسؤال.. والكرم.. وحب أبنائها وبناتها.. يزرعون في نفوس نسائهم أن الأخت صاحبة بيت أهلها.. شعار يرفعونه قولًا لزيادة مساحة إكرامها.. يجب احترام هذا الموقف والوفاء بمستلزماته.. كنتيجة لتلك المفاهيم..  وفي قريتي الصغيرة، الكبيرة بأهلها.. شربت حتى الارتواء من كل تلك القيم.. قبل سن البلوغ.. وهكذا كل جيلي.. تتحوّل حياة القرية إلى قيم ومعايير لها مشجعون.. تحت وطأة الحاجة والفاقة.. البقاء أهم من كل التطلعات الأخرى.**ينصب الاهتمام على الأولاد.. محور وركيزة العائلة.. وبقاء النسل.. وقوة الاستمرار.. يمثلون (صكوك) الأرض والمنازل والحلال الذي يملكون.. يصبحون (صكوكًا) شرعية لتواجدهم.. ويشكِّلون الهيبة والاحترام.. ويفرضون احترام حقوقهم أمام البقية.. كنتيجة أصبحت (صالحة).. شيئًا ثانويًا في الحياة.. كبقية نساء القرية.. المقام الأول وجميع المسؤوليات الجسام للرجال.. وأيضًا القرار النهائي في تجاذب الحياة.. مثلها مثل بقية النساء في مجتمع القرية.. الأمر غير مستنكَر.. حتى وان كان الإقدام على التنازلات كُرهًا.. وليس حُبًّا.**مجتمع أضناه صراع ظروف الحياة.. ومنها عدم قتل المرأة في أي صراع ينشب بين الرجال.. وحتى لطمها أو التعدّي عليها.. الرجال دروع القرية في السراء والضراء.. كنتيجة يصبح الاعتداء على المرأة احد العيوب التي لا تغتفر للرجال.. وتصبح مسبّة.. وترتقي إلى وصمة عار في جبين أي رجل يمارس العنف ضد المرأة.. البقاء أهم من كل القيم المنطوقة.. بل هو القيمة الفعلية لوجودهم.. كان ذلك في قريتي وبقية القرى قبل أكثر من نصف قرن.. البعض ما زال يحمل تلك المعايير.. هل حجب الجنسية عن أبناء وبنات السعوديات المتزوجات من غير السعودي جزء من هذه المعايير؟!