وكالات- واشنطن- نيويورك

خفض علامة الدين الأمريكي يحدث تغييرات جذرية بالاقتصاد العالمي

شدد الرئيس الأمريكي باراك اوباما ضغوطه من أجل تمرير خطته لخفض العجز المالي الأمريكي بمقدار 4 تريليونات دولار خلال 12 عاما. وقال اوباما أمام مجموعة الطلبة في مدرسة «نورثرن فيرجينيا كوميونيتي كوليدج» خارج واشنطن «إذا لم نسد هذا العجز فإنه سوف يسبب ضررا بالغا باقتصادنا وسوف تقل احتمالات إقامة الشركات مصانع جديدة لها هنا في الولايات المتحدة الأمريكية».

ومن المنتظر أن تمثل قضية عجز الميزانية قمة جدول أعمال لقاء اوباما مع مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» يوم الأربعاء المقبل في أول مقابلة من نوعها بالنسبة للرئيس الأمريكي، ومثل العجز المالي للحكومة الأمريكية قضية مسيطرة على الساحة السياسية في واشنطن منذ فوز الجمهوريين بالأغلبية في مجلس النواب الأمريكي في انتخابات نوفمبر الماضي، ويقترب حجم الدين العام الأمريكي من مستوى 14.3 تريليون دولار حيث من المنتظر الوصول إلى هذا الرقم في مايو المقبل، لكن يبدو أن الرئيس اوباما مقتنع بإمكانية التوصل إلى اتفاق بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن خطة خفض العجز المالي، وقال «اعتقد أنه يمكن للجمهوريين والديمقراطيين العمل معا من أجل الوصول إلى هذا الهدف. ولكن ذلك لن يكون سهلا».من جانبه أعرب وزير الخزانة تيموثي جايتنر عن رفضه للتوقعات السلبية بشأن التصنيف الائتماني للدين العام الأمريكي طويل المدى التي أعلنتها أمس مؤسسة ستاندرد أند بورز للتصنيف الائتماني. وقال جايتنر إن آفاق علاج المشكلات المالية لبلاده تتحسن بصورة فعلية وكانت مؤسسة ستاندرد أند بورز قد ذكرت في تقريرها الذي خفض توقعاتها بشأن الدين طويل المدى للولايات المتحدة من مستقر إلى سلبي أنه مقارنة بدول العالم الأخرى التي تحظى بتصنيف «A.A.A» فإن الولايات المتحدة تعاني من عجز كبير في الميزانية وتزايد الديون الحكومية مع عدم وضوح الرؤية بشأن سبل التعامل مع أزمة الدين العام، وقالت في التقرير «نعتقد أن هناك خطرا ملموسا إذا فشل صناع السياسة الأمريكية في التوصل إلى اتفاق بشأن سبل التعامل مع التحديات متوسطة المدى وطويلة المدى في الميزانية حتى 2013، وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع تطبيق سليم للاتفاق تصنيف الولايات المتحدة سوف ينخفض».من ناحيته قال جايتنر في مقابلة مع قناة «سي.إن.بي.سي» إنه يرفض تقييم ستاندرد أند بورز وأن الديمقراطيين والجمهوريين متفقون على الحاجة إلى علاج أزمة الميزانية الأمريكية، وأضاف «نحن لن نسير وراء المشكلات المالية ولكننا سوف نسبقها» للتعامل معها. وقالت المؤسسة إن الولايات المتحدة ستظل تحتفظ بالتصنيف»AAA+» رغم المخاوف التي تحيط بوضعها المالي على المدى الطويل بفضل الاقتصاد المرن والمتنوع المصادر للولايات المتحدة والسياسة النقدية الفعالة وتفضيل دول العالم للتعامل بالدولار الأمريكي. ومن شأن خفض التصنيف AAA أن يسبب زيادة في أسعار الرهن العقاري ويضغط على أوضاع الائتمان في قطاعات الاقتصاد، ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى تعطيل تعافي الاقتصاد من أسوأ ركود منذ الحرب العالمية الثانية. وقفز الدين الأمريكي العام القائم إلى أكثر من 60 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي عقب الأزمة المالية في 2007-2009. ومن المتوقع أن يتضخم بشكل أكبر في ظل عجز ميزانية يقترب من عشرة بالمائة من الناتج المحلي من المتوقع أن ينمو أيضا. وقال ماري ميلر مساعد وزير الخزانة للأسواق المالية: نعتقد أن التوقعات السلبية لستاندرد اند بورز تهون من شأن قدرة الزعماء الأمريكيين على الاجتماع لمعالجة التحديات المالية العامة الصعبة التي تواجه البلاد. ويرى الخبراء أن التحذير الذي وجهته وكالة ستاندرد اند بورز للتصنيف الائتماني إلى الولايات المتحدة إذ طرحت لأول مرة بجدية إمكانية أن تخسر الولايات المتحدة علامتها كأفضل مقترض في العالم، قد ينذر بتغييرات جذرية في الاقتصاد العالمي. وكانت ستاندارد اند بورز خفضت الاثنين توقعاتها لتصنيف دين الولايات المتحدة من «ثابت» إلى «سلبي» معتبرة لأول مرة أن ثمة احتمالا واحدا من أصل ثلاثة بأن تخسر الدولة الفيدرالية علامتها القصوى «AAA» خلال السنتين القادمتين، وهذه العلامة تعني ثقة مطلقة في أسواق القروض وفي وسع الدول والشركات التي تحصل عليها، الاقتراض بمعدلات فائدة ممتازة خلافا لسواها. وأثار إعلان وكالة التصنيف ذهولا ولاسيما في الأسواق المالية بعدما كانت مسألة تخفيض علامة الولايات المتحدة أمرا لا يخطر ببال احد. وحذر ستيفن ريكيوتو الخبير الاقتصادي في شركة ميزوهو سيكيوريتيز أن «الاحتمال لن يبقى واحدا من أصل ثلاثة إذا لم نقم بشيء خلال سنتين، بل لم نجمع 2500 مليار دولار من الديون الإضافية»، وقال إن «احتمالات حصول ذلك تزداد» مشيرا بالاتهام إلى القوى السياسية في واشنطن التي تخوض صراعا محتدما حول سبل تخفيض العجز الهائل في الميزانية الأمريكية. غير أن تحذير وكالة التصنيف قد يكون له أثر طائل على الاقتصاد الأمريكي. وقال ستيفن ريكيوتو إن «ذلك سيضر إلى حد بعيد بوضع العملة (الأمريكية) كعملة احتياط» ملمحا إلى أن الدولار قد لا يعود العملة المرجعية في العالم. وتجني الولايات المتحدة 40 إلى 70 مليار دولار سنويا من وضع الدولار هذا الذي يندد به البعض لاعتباره «امتيازا باهظ الثمن»، وفق دراسة أجراها مكتب ماكينسي عام 2009. وتجتذب الأصول الأمريكية المستثمرين الأجانب لأنها تصدر بعملة ثابتة ومطلوبة من الجميع، ونتيجة هذا الطلب القوي على الدولار تقدم تسهيلات في منح قروض سواء للحكومة الأمريكية أو للشركات وحتى الأسر. وبالنسبة للأسر، فان تخفيض العلامة سيؤدي إلى ارتفاع معدلات الفائدة على الديون لقاء رهن، ما سيزيد من حدة الأزمة في سوق عقارية تعاني من انكماش، وفق ما أوضحت اينا موفتيفا من مصرف ناتيكسيس، وتابعت الخبيرة الاقتصادية أن الشركات من جهتها «ستشهد زيادة في كلفة التمويل، ما سينعكس على الاستثمارات المنتجة»، كما أن علاقة الولايات المتحدة مع دائنيها الكبار وفي الطليعة الصين واليابان وأوروبا قد تتبدل، وخسارة العلامة «AAA» قد تزيد من صعوبة خفض العجز في الميزانية الأمريكية لأنها تهدد بزيادة كبيرة في معدلات الفائدة على قروض الدولة، وهو ما أثبتته الأزمتان في ايرلندا والبرتغال. ويأمل البعض أن يحض تحذير ستاندرد اند بورز إدارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما والمعارضة الجمهورية على التوصل إلى توافق حول سبل خفض العجز في الميزانية.وقال ألان راسكين الخبير الاقتصادي في مصرف دويتشه بنك إنه تحذير جدي للسياسيين من الطرفين، يبرز ضرورة التوافق قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة، غير أن هذا الاستحقاق الانتخابي قد يدفع الديمقراطيين والجمهوريين إلى التمسك بمواقفهم. وأوضح ديفيد ريسلر وايشي أميميا من مصرف نومورا أن «كلا من طرفي الخلاف قد يستخدم هذا التحذير لتبرير نهجه المختلف إلى حد بعيد عن نهج الطرف الآخر.