صحيفة اليوم

الجماعات الإسـلامية العنيفـة في الوطن العـربي.. صعـود ومواجهـات وهزائم ومراجعـات

أحمد سيد أحمد (وكالة الأهرام للصحافة) ـ القاهرةكانت أبرز الظواهر اللافتة في العالم العربي في العقود الثلاثة الأخيرة هي نشوء وتطوّر ما يُعرف بظاهرة «الإسلام السياسى» التى تعبّر عنها حركات الإسلام الحركي أو السياسي وانتشارها وكذلك لجوؤها إلى العنف فى كثير من الدول العربية مما أدخلها في صدام مع الأنظمة العربية، لكن في السنوات الأخيرة بدأ دور حركات الإسلام السياسي في التراجع خاصة مع قيام بعضها بإجراءات مراجعات حقيقية لأفكارها خاصة قضية العنف وتكفير المجتمع. وكل هذا يثير التساؤلات حول طبيعة هذه الحركات وكيف حوّلت دين التسامح إلى دين عنف، ولماذا تطوّرت وما أسباب نجاحها وأساليبها فى التجنيد والجهود العربية فى مواجهاتها ودلالات المراجعات التى قامت بها وهل هى هزيمة أم صحوة مفاجئة؟ وغيرها من التساؤلات التى نحاول الإجابة عنها فى هذا التحقيق.الإسلام بين التسامح والعنف  كيف يتحول الإسلام من دين التسامح والرحمة إلى دين يدعو إلى العنف؟ـ تقول الدكتورة آمنة نصير أستاذة الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر: إن الإسلام كدين لم يدعُ أبدا للعنف أو التعصب سواء ضد المسلمين أو ضد الآخرين، فهو ينبذ العنف والقتل والترهيب، لكن الجماعات الإسلامية، التي احتكر أعضاؤها الدين لأنفسهم حوّلوه لدين عنف وتعصّب، كما رأيناه فى عمليات العنف والقتل والاغتيال التى شهدتها الدول العربية مثل اغتيال السادات عام 1981 فى مصر ومذبحة الأقصر عام 1995 والتفجيرات التى شهدتها المدن المصرية فى التسعينيات وكذلك العمليات الإرهابية التى شهدها الكثير من البلدان العربية مثل التفجيرات التى وقعت فى الرياض والكويت والبحرين والحرب الأهلية فى الجزائر التى قادتها جبهة الإنقاذ والعنف والاقتتال الطائفي الذى شهدناه ولا يزال فى العراق بين الشيعة والسنة، والحرب فى الصومال .. بل إن العنف امتد إلى كثير من مناطق العالم، كما حدث في تفجيرات 11 سبتمبر عام 2001 نفذتها القاعدة، وتفجيرات مدريد ولندن وبالى وغيرها. وأدت هذه الأعمال العنيفة، في نهاية المطاف، إلى تشويه صورة الإسلام وتصويره من قبل الغرب أنه دين العنف والإرهاب. وهي صورة مغلوطة لأن تيارات الإسلام الحركي لا تمثل الإسلام وإنما تمثل نفسها وتعكس تصوّرها الخاطئ لرؤية الدين.ويتفق السفير محمود شكرى، الكاتب السياسي، مع الدكتورة آمنة نصير، في أن أي دين سماوي ومنه الإسلام، يدعو إلى الرحمة والتآلف والتقارب والتعارف بين الشعوب، وأن المشكلة دائما في التطرّف وتحويل الدين إلى برنامج عنف يتمثل في جماعات متطرفة تفسّر الدين بطريقتها وتعكسه فى سلوكها إزاء مجتمعها وإزاء الآخرين وتنتهج العنف لتحقيق هذا التصور.. فهذه الظاهرة المتشددة لا تقتصر فقط على الدين الإسلامى بل نجدها أيضا فى المسيحية، حيث التشدّد المسيحي الذي يمثله اليمين المسيحي الإنجيلي المتشدد. وكذلك نجدها فى اليهودية حيث الأصولية اليهودية المتطرفة التي تعبر عنها الأحزاب اليهودية، كما نجدها فى الديانات غير السماوية مثل الهندوسية وغيرها.. وكلها تمثل خروجا على فلسفة ورسالة الأديان وهي التسامح وإعمار الأرض ونشر السلام والمحبة.ظاهرة العنف الديني لماذا برزت المنظمات الأصولية وجماعات الإسلام الحركي؟ـ يرى الدكتور جعفر عبد السلام، الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية أن أسباباً عديدة أنشأت وأبرزت حركات الإسلام السياسي أولها التناقض بين الدين والحداثة .. فهذه الجماعات، بسبب تفسيرها الضيق للدين الإسلامى وعدم إعمالها مبدأ الاجتهاد والتجديد، انخرطت في صدام مع قيم الحداثة، رغم أنها توظف أدوات الحداثة مثل الإنترنت لتحقيق أهدافها. كما أن فشل الدول القومية العربية فى أداء وظيفتها دفع تلك الجماعات لتطرح نفسها بديلاً.. وأيضاً أدت سياسات العولمة إلى تزايد هوة الفجوة بين الفقراء والأغنياء، ليس فقط بين الدول ولكن أيضا داخل الدولة الواحدة ونتج عن ذلك عدم قدرة المهمشين على التكيّف مع الحداثة، فاتجهوا إلى التقوقع والانغلاق على الذات .. وهناك من يتجه إلى العنف الديني كتعبير عن سخطه واحتجاجه على المجتمع تحت زعم محاولته تطبيق الشريعة أو العودة لأصول الدين الإسلامى. متى يتحوّل العنف الديني إلى ظاهرة؟ـ ويرى السفير محمود الشكري أن العنف الديني يتحوّل إلى ظاهرة، عندما تزداد الجماعات الإسلامية التي تسعى لتحقيق أهدافها من خلال العنف، خاصة ضد المجتمع وضد الأنظمة الحاكمة كما يتحوّل إلى ظاهرة عندما يتكرر هذا العنف وينتشر فى أكثر من مكان وأكثر من دولة، وكذلك عندما تبرر حركات الإسلام الراديكالي العنف كمحدد لسلوكها وبالتالي يتحوّل لظاهرة مرضية فى المجتمع، وهو ما حدث فى مصر خلال التسعينات، وكذلك فى الجزائر أثناء المواجهات الدامية بين الجيش وجبهة الإنقاذ وكذلك خلال عام 2006 في العراق عندما حدثت الحرب الطائفية بين الشيعة والسنة.ويرى الأستاذ عبد اللطيف الحنفي الخبير السياسي أن العنف الديني تحوّل لظاهرة محلية وعالمية في العقدين الأخيرين وتمثل فى العمليات الإرهابية التى شهدتها المنطقة العربية وكثير من مناطق العالم، وقامت بها جماعات الإسلام الحركي .. ويرجع الحنفي أسباب ظاهرة العنف إلى العامل الخارجي، فيرى أن السياسة الأمريكية المزدوجة والمنحازة ضد الإسلام والمسلمين والانحياز الأعمى لإسرائيل وممارسات الدولة العبرية ضد الفلسطينيين دفعت هذه الجماعات إلى محاولة الانتقام من الولايات المتحدة والغرب للإهانة التى يتعرّض لها المسلمون فى مناطق شتى من العالم، ولذلك أقدمت مهاجمة الولايات المتحدة الأمريكية في سبتمبر 2001 ليس لتدمير الدولة الأمريكية بل إهانتها عن طريق استهداف رموزها التى يجسدها برجا مركز التجارة العالمى والبنتاجون واستهداف الدول المتحالفة معها مثل بريطانيا وأسبانيا.لكن الدكتور عمرو الشوبكي الخبير السياسى فى شئون الجماعات الإسلامية يرى أن غياب قنوات التعبير السلمية وانغلاق الأبواب أمام تلك الجماعات قد دفعها لانتهاج العنف كوسيلة للتعبير عن ذاتها ولتحقيق أهدافها، خاصة أنها تنطلق من مرجعيات دينية وفقهية لقيادتها تبرر العنف ضد المجتمع وضد غير المسلمين.. ولذا تحوّلت ظاهرة العنف الديني إلى ظاهرة في العديد من المجتمعات العربية. ما مدى ارتباط ظاهرة العنف بظاهرة التديّن؟ـ يرى الدكتور رفيق حبيب، الباحث في شئون الجماعات الإسلامية، أنه إذا رجعنا للسبعينيات من القرن الماضي سنجد ظاهرة نسمّيها «اللجوء للدين» وهي نتاج قناعة المجتمع بأن قيمه وأخلاقياته بدأت في الانهيار، فأصبح المجتمع يستعيد نفسه من خلال استعادته للدين، وهذه هي الأرضية التي خرج منها الإحياء الديني الرشيد، وخرج منها أيضا الفكر الديني المتطرف، وخرج منها كذلك الفكر العنيف للجماعات المسلحة.وظهور التطرّف والعنف في مصر مثلاً، مع عملية الإحياء الديني كان نتاجاً لتردي الأوضاع المجتمعية، وعدم قدرة الدولة على التعبير عن هذه الرؤى الإحيائية الدينية لتحويلها إلى مشروع نهضة وتقدّم جماعي، كل هذا جعل عملية الإحياء الديني، وهي قائمة على الرغبة في تغيير الواقع، أمام خيارات: إما أن تتمسك بالوسطية والاعتدال، على الرغم من أن الظروف الواقعية لا تساعد على ذلك، أو تتجه إلى العزلة عن الواقع، وهنا ينمو التطرف.. أو تتجه إلى مواجهة الواقع وهنا يظهر العنف، خاصة أن المواجهة السلمية للواقع التي تقوم بها جماعة الإخوان المسلمين في مصر كانت تؤدي إلى عنف من الدولة يبرر مناخ العنف الذي انتشر بين التيارات الإسلامية.الجماعات الإسلامية والتجنيد  لماذا نجحت الجماعات الإسلامية فى تجنيد الشباب وما وسائلها وأساليبها؟ـ يتفق كل من الدكتورة آمنة نصير والدكتور جعفر عبد السلام في أن هناك عوامل عديدة أدت لنجاح الجماعات الإسلامية في تجنيد الشباب أبرزها أن المنطقة العربية هي مهبط الأديان السماوية وشعوبها متدينة بالفطرة، وتسهّل مخاطبة عواطف الشباب الدينية من جانب الجماعات يساعدها في ذلك استغلال الأوضاع المجتمعية المتدهورة مثل انتشار الفقر والجهل والأمية لاجتذاب الشباب. واستخدمت الجماعات المساجد والزوايا وشرائط الكاسيت والكتب المتشددة في تقديم خطاب ديني عاطفي يناغم أحلام هؤلاء المضطهدين والمهمّشين والوعد بالجنة والحور العين.. بل تقدم الجماعات دعماً مالياً لبعض الشباب وتقدم المسكن للشباب وعقد زيجات وفرص عمل مما يدفع الشباب إلى الانخراط في تلك الجماعات.. ثم تحت فكرة «السمع والطاعة» لأمير الجماعة يخضع الشباب إلى أوامر قيادات الجماعات التي تخطط للعنف وتبريره دينياً على أنه الاستشهاد والجهاد الذي يفضي فى النهاية إلى الجنة الموعودة.ويرى الدكتور جعفر عبد السلام أن الجماعات الإسلامية نجحت فى التجنيد عبر الوسائل التالية:-الاستفادة من بيئة نمو الغضب الاجتماعي والسياسي في المدن، والتي تتمثل مكوناتها في البطالة – الشباب - وأزمة الإسكان. - محاولة الاستفادة من فجوة المصداقية السياسية التي تكرّست من خلال عجز النظم العربية وأجهزتها، ومن ثم محاولة تجنيد الشباب وإعدادهم عقائدياً وتعبئتهم سياسياً ضد نظم الحكم في الجامعات والأحياء ومحاولة الانتشار داخل النظام الإقليمي.- استغلال وتوظيف الخطاب الديني الذي تسانده الدولة عبر وسائل الإعلام، والتعليم في البناء عليه، وتطويعه نحو خطاب تلك الحركات انطلاقا من أن سيادة وشيوع البيئة والرموز والأسانيد الدينية للخطاب الحديث تؤدي إلى إضعافه وقوة الخطاب الديني.- استغلال المساجد في التعبئة، والتنشئة الدينية العقائدية، وتجنيد الكوادر، والاهتمام بوجود كادر قيادي وسيط قادر على ملء الفراغ القيادي في حالة اعتقال القيادات العليا، مع محاولة الاستحواذ على النقابات المهنية، في بلدان عربية عديدة، عبر استغلال الحشد والتنظيم مع تقاعس الآخرين أو عدم حماستهم للإدلاء بأصواتهم.- محاولة إعداد قائمة الأعمال السياسية لتلك الحركات بمهارة ودقة، ومحاولة فرضها على الدولة والحكم، والقوى السياسية الأخرى، لتكون تلك الحركات هي المبادرة بالقائمة والفعل المواكب لها، وتكون القوى الأخرى، وعلى رأسها الحكم بمثابة رد فعل لمبادراتها وسلوكها السياسي، وهو الأمر الذي يؤدي إلى إرباك الخصوم السياسيين، وعدم قدرتهم على بلورة رؤية سياسية مخططة قادرة على المبادرة. وبالرغم من أن أفراد تلك الحركات المتطرفة قليلون بالمقارنة بتعداد العالم الإسلامي إلا أن شريحة صامتة قد تؤيد وتناصر هذه الحركات لمجرد أنها ترى فيها محاولة جريئة لتغيير واقع بائس في بلدان عربية كثيرة.الجهود العربية لمكافحة ظاهرة الجماعات  هل نجحت الجهود العربية في مكافحة ظاهرة الجماعات وما مدى فرص نجاح العلاج؟ـ يرى الأستاذ ضياء رشوان، خبير الجماعات الإسلامية ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، أن الجهود العربية نجحت إلى حد ما في مواجهة ظاهرة الجماعات الإسلامية، كما حدث في مصر حيث تراجعت جماعات العنف بشكل ملحوظ، ونجحت السلطات في تقليم أظافر الجماعة الإسلامية وحركة الجهاد، واستوعبت حركة الإخوان المسلمين في العملية السياسية وتمثيلهم فى البرلمان، كما نجحت المملكة في مواجهة التيارات المتطرفة والإرهابية وكذلك تراجعت الجماعات المسلحة في الجزائر. ويرى رشوان أن الدولة العربية اعتمدت بشكل أساسي في مواجهة الجماعات على المواجهة الأمنية واستخدام القبضة الحديدية خاصة تجاه الجماعات المسلحة والعنيفة بينما اعتمدت على المنهج السياسي مع الحركات المعتدلة، كما حدث في تونس والأردن والكويت.ويحذر رشوان من أن الجماعات الإسلامية المسلحة لم تنتهِ تماما رغم تراجع أعمال العنف ولذلك لابد من المعالجة الشاملة السياسية والأمنية والاقتصاية والاجتماعية لتجفيف منابع التطرّف ومنع نمو هذه الجماعات مرة أخرى.. وهذا يعتمد على فهم وقدرة الدول العربية على تشخيص العلل الموضوعية التى أدت لنشأة وتطوّر هذه الجماعات الإسلامية. ويحتم الحل ضرورة محاربة الفقر والتخلف والبطالة وتوفير فرص عمل للشباب مع تطوير التعليم وتجديد الخطاب الديني وتقديم خطاب مستنير يواجه الخطاب المنغلق لتلك الجماعات، أي أن مواجهة هذه الجماعات تكون بالأفكار وليست المواجهة الأمنية فقط، كما يجب دعم التيارات الإسلامية المعتدلة لاحتواء التيارات المتشددة .. ويقترح ضياء رشوان إجراء حوارات مع تلك الجماعات ومناقشة أفكارها المتطرفة وتقوية دور المؤسسات الدينية المعتدلة لتصحيح أفكار الشباب المنخرطين في هذه الجماعات والذين يكونون فريسة سهلة لأفكارهم. المراجعاتبعد ما يزيد على نصف قرن من ظهورها، تراجعت معظم الحركات الإسلامية في العالم عن مناهج وممارسات ميدانية عنيفة كانت تطرحها كمبادئ عمل. وكانت تعوق حركتها أو تشوّش على مسيرتها، أو تجعلها في مواجهة دائمة ومباشرة مع الأنظمة الحاكمة .. وتجاوزت المراجعات فكرة احتكار الإسلام. وأصبحت حركات إسلامية عديدة تتحاشى إعلان صفتها «الإسلامية» بشكل صريح. كما تراجعت عن فكرة التكفير والحكم بجاهلية المجتمعات الإسلامية التي نظّـر لها أبو الأعلى المودودي وسيد قطب.وحدثت مراجعات الجماعة الإسلامية في مصر، ومراجعات الجماعة الليبية المقاتلة، ومراجعات بعض الجماعات المسلحة في الجزائر، ومراجعات الدكتور فضل الذي يعدّ منظّر جماعة «الجهاد» المصرية الأوّل والأب المثال لكثير من جماعات الإرهاب المعاصرة.وتمت المراجعات الأخيرة للجماعة الإسلامية المصرية كي تضع حداً لمسألة العنف في العمل السياسي بوصفه عملاً غير مشروع وغير مثمر أيضاً سياسياً، كما أن انعكاساته الاجتماعية خطيرة للغاية على عموم المجتمع وعلى أبناء الحركة الإسلامية وأسرهم أيضاً. وكانت المراجعات الأولى التي صدرت في أربعة كتب متوازنة إلى حد كبير، تحوي تصحيحات مفاهيم شرعية انتهجتها قيادات الحركة في ريعان الصبا وبدايات الطريق، وقت عصف العاطفة، ومن ثم قوبلت هذه المراجعات بارتياح واسع من قبل أطراف عديدة داخل المحيط الإسلامي وخارجه. هل هذه المراجعات تمثل هزيمة للتنظيمات أم صحوة مضادة؟ـ يرى الدكتورعمرو الشوبكى أن المراجعات الفقهية التي قامت بها جماعات العنف المصرية نقطة تحوّل كبرى، ولحظة فاصلة في تاريخ هذه الجماعات، اعترافاً بفشل الخيارات الفقهية القديمة لهذه الحركات من جهة، ومحاولة للتراجع عن التفسيرات التي بررت عمليات العنف لفترات طويلة سابقة من جهة أخرى.ويقول الدكتور عمرو حمزاوى، كبير الباحثين بمؤسسة كارنيجي للسلام فى مكتبها ببيروت هناك عدة ملاحظات بالنسبة للمراجعات:الملاحظة الأولى: على الرغم من أنّ الكثير من أصوات نهج المراجعة البارزة فى الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد كانوا أو ما زالوا بالسجون المصرية، إلا أن ذلك لا يُقلِّل من صدقيّة نبذهم العنف أو دحضهم التطرّف كوسيلة لتغيير المجتمع والسياسة.. صحيح أن العديد من هؤلاء القادة من دعاة نهج المراجعة دخلوا فى حوار مع قوى الأمن، وتبادل بعضهم الأفكار مع علماء الدين والمثقفين المقرَّبين من النظام المصرى، إلا أنّ أفكارهم وآراءهم الجديدة تطوّرت بشكل حقيقى ولا ينبغى أن تُختزَل بتفسيرات مغالية فى التبسيط أو بالنزعة التآمرية.الملاحظة الثانية: على الرغم من أنّ الجهاديين تحدّوا تاريخيا هيمنة جماعة الإخوان المسلمين داخل الطيف الإسلامى، وأدانوا إيديولوجيتها الإصلاحية والتدرجية، فإنه من الواضح أن المراجعات الجهادية استُلهِمَت دينيا وسياسيا من جماعة الإخوان .. فالعديد من أفكار الجهاديين وآرائهم المُنقَّحة حول المجتمع والسياسة والدولة، والعلاقات بين المسلمين وغير المسلمين مُستَوحاة بشكل ملحوظ من أيديولوجية جماعة الإخوان وخطابها المعاصرَين.الملاحظة الثالثة: على الرغم من أنّ الجماعة الإسلامية والشرائح المؤيِّدة للمُراجعة من جماعة الجهاد أكّدت التزامها باللا عنف، فإن التزامها بالمشاركة السلمية في المجتمع والسياسة المصرية لم يتمّ التحقّق من صحّته بعد .. فالعنصر الأكثر فاعلية من المراجعة الجهادية ظلّ بلاغيا، إذ تمّ التعبير عنه فى التصريحات ولم يتحوّل إلى أفعال .. وثمة عوامل عدة تساعد على تفسير النقص الحالى فى النشاط الجهادي اللا عنفي.ويعتقد الدكتور رفيق حبيب أن الأسباب الحقيقية للمراجعات هي نتاج التجربة نفسها، وهذه الأسباب هي أسباب مراجعات الجماعة الإسلامية؛ لأن نتاج استخدام العنف في عملية التغيير الداخلي أدت إلى أضرار بجميع الأطراف، منها الجماعات الجهادية وعامة المجتمع المصري والدولة، كما أثرت سلبا على دور هذه الجماعات الدعوي بالنسبة للجماعة الإسلامية، وأثرت أيضا على تعاطف الجماهير المؤيدة لهم سواء بالنسبة للجماعة الإسلامية أو تنظيم الجهاد. ومعنى ذلك أن نتائج استخدام العنف دفعت إلى التفكير مرة أخرى في هذا المنهج، وكانت هي سبب المراجعات الحقيقي، وهذا يتأكد من أن أفكار المراجعات بدأت منذ أوائل الثمانينيات وبين المحكوم عليهم في قضية اغتيال السادات، ولكنها ظلت على المستوى الفردي حتى تحوّلت للمستوى الجماعي عام 1977 بالنسبة للجماعة الإسلامية 2007 لتنظيم الجهاد.ويرفض حبيب أن تكون المراجعات جاءت بسبب العنف من جانب الدولة لأنه إذا كانت المراجعات نتاج ما قيل انه التعذيب في السجون لظهرت قبل هذا بكثير، ولكن الحقيقة أن بداية المراجعات كانت نوعا من النقد الذاتي بعد انتهاء عملية اغتيال السادات، ولكنها كانت محصورة في فكرة هل حادثة اغتيال السادات كان لها أي تأثير إيجابي أم أن تأثيرها كان سلبيا على التنظيم دون أي تغيير للأوضاع في مصر. وبالتالي من الصعب القول إن مراجعات الجماعة الإسلامية مجرد نتاج ميكانيكي للضغط الأمني، وإنما هي نتاج للهزيمة الفكرية والسياسية لتنظيمات العنف في مصر والعالم.كما يرفض ضياء رشوان القول إن المراجعات تعتبر نوعا من التقية تمارسه جماعات العنف إلى أن تتاح لها الفرصة وتتهيأ لها الظروف كي تعود مرة أخرى إلى الفعل العنفي، ويؤكد أن الجماعات الجهادية المصرية لا يمكن أن تعود إلى العمل المسلح مرة أخرى بعد أن انتهى تقريبا الرابط التنظيمي الذي جمعها في عقد الثمانينيات، وبعد أن استيقنت أن طريق العنف لم يكن مجديا في أي مرحلة.مستقبل جماعات الإسلام السياسي ما مستقبل «الجماعات» الدينية العنيفة ؟ـ يرى ضياء رشوان أن مستقبل الجماعات الإسلامية يتوقف على عدة عوامل تحدد مصيرها، أبرزها قوة تيار الإسلام المعتدل ودور الدولة العربية في انتهاج مواجهة شاملة تعالج أسباب تطور تلك الجماعات ومعالجة مشكلات الفقر والبطالة، كذلك حل المشكلة الفلسطينية التى تغذي نمو تلك الجماعات إضافة إلى تكريس الديمقراطية والشفافية وحكم القانون وكلها عوامل تؤدي إلى انحسار الجماعات الإسلامية العنيفة وتسمح بنمو التيارات الإسلامية المعتدلة.