د. نعيمة إبراهيم الغنّام

د. نعيمة إبراهيم الغنّام

الإنسان أناني بطبعه، الإنسان يطمح دائما للتملك، يميل للمتعة ويتجنب الألم، تلك الأوصاف وغيرها الكثير تتردد دائما بالحوارات خاصة بين المثقفين، البعض يلجأ لمصطلح «الطبيعة البشرية» لتفسير واقعة ما تنتج عن سلوك بشري، ويقدم المصطلح كمسلمة منطقية غير قابلة للنقاش وكأن صاحبها يفترض أنها التفسير الوحيد لسلوكيات الإنسان حتى تلك المتناقضة مع بعضها، ورغم أن المفكرين لم يتفقوا عبر التاريخ على معنى محدد للطبيعة البشرية إلا أن الجميع يستخدمها ببساطة كحقيقة مطلقة، قديما أكد عالمي الاجتماع «بنتام وميل» على الطبيعة الأنانية للإنسان مدللين بميله المطلق لتجنب الألم والبحث عن المتعة، ومن بعد أكد فلاسفة البرجماتية على الطبيعة النفعية للإنسان وميله الطبيعي للمنافسة للحصول على التميز عن الآخرين، وخالفهم في ذلك فلاسفة المدرسة المثالية التي ترى الإنسان كائنا نقيا وخيرا بطبعه، ومع التعارض الواضح بين المفكرين تبقى الطبيعة البشرية معنى ملتبسا يستخدمه كل منا بمدلول خاص قد يتفق أو يختلف عن الغير، ولكن هل هناك فعلا معنى محدد للطبيعة البشرية؟ دعونا قبل البحث عن إجابة للسؤال نبدأ بالحقائق الثابتة والتي لا يختلف عليها أحد، أول تلك الحقائق أن الإنسان كائن حي، فالجميع من علماء ومفكرين لا يختلفون حول تلك الحقيقة وإن اختلفوا في ماهية هذا الكائن المتفرد، البعض رأى التفرد بالتفكير، وهناك من فسره بالقدرة على التواصل اللفظي وتطوير مفردات للحوار، ومفكرون رأوا التفرد بالقدرة على استيعاب الخبرات والتعلم من الأخطاء، وأيا كانت الأفكار فلا خلاف على أنه كائن حي متفرد عن باقي الكائنات المعروفة جميعها، ونتيجة ذلك ببساطة أن الإنسان يتفق مع باقي الكائنات بوجود الغرائز الأساسية التي تهدف للبقاء الذاتي «الطعام والشراب» وكذلك بقاء النوع «التزاوج والإنجاب» ومدلول تلك الحقيقة البسيطة أن طبيعة الإنسان لها جانب مادي يتحدد بقدر إشباع حاجاته الأساسية، وجانب هام من السلوك البشري يهدف لإشباع غرائزه الأساسية، ويختلف السلوك هنا بحسب مدى وفرة أو ندرة المواد الأساسية، ففي حالة الوفرة يتميز السلوك بالهدوء للشعور بالأمان وعلى العكس من ذلك بحالة الندرة حيث يتميز السلوك بالعنف نتيجة الخوف من عدم البقاء، دعونا الآن نذهب لحقيقة أخرى للإنسان وهي كونه كائنا اجتماعيا أي لا يمكنه العيش منفردا إلا في حالات نادرة بل تعد العزلة عن المجتمع حالة مرضية تحتاج للعلاج، والمدلول البسيط لتلك الحقيقة أن السلوك التفاعلي للإنسان يتحدد بدرجة كبيرة جدا بحسب القيم التي يكتسبها من المجتمع الذي يعيش فيه، فإذا أكسبه المجتمع قيما روحية وأخلاقية سامية تراعي الآخرين وتشجع على التسامح والتعاون والعطاء، فسوف تميل سلوكياته للتعاون والتسامح، أما إذا شبعه المجتمع بأفكار عنصرية مثلا فسيصبح سلوكه عدائيا تجاه الغير، والآن ومع التأكيد على تلك الحقائق نعود للسؤال السابق، والحقيقة أن الإجابة لن تكون كاملة، فالإنسان قد تطور عبر التاريخ لتتعدد حاجاته بلا حدود، فالأشخاص المختلفون بنفس الظروف المادية تختلف سلوكياتهم بحسب محددات كثيرة، كذلك هناك تأثير متبادل بين الفرد والمجتمع وليس صحيحا دائما أن الفرد يكتسب قيم المجتمع الذي يحيا فيه بل من الممكن أن يحدث النقيض ويرفض قيم مجتمعه بل ويحاربها أحيانا، ببساطة يا أصدقائي ليس هناك طبيعة بشرية ثابتة إلا للأطفال الذين يولدون بنقاء، لكن مع الوقت تتداخل عوامل كثيرة تحدد طبيعة كل إنسان على حدة، فلا داعي للتسليم بطبيعة بشرية غير ثابتة وللنظر للإنسان كما هو أكثر خلق الله بساطة وتعقيدا، فهو أحد أسرار الخالق. naimahgh@gmail.com