صحيفة اليوم

كلمة اليوم

لاشك أن السلطة الفلسطينية تعيش في مأزق حقيقي، وما تعرضهم للهجوم من مختلف الفصائل على خلفية ما قيل عن طلبها تأجيل التصويت على تقرير جولدستون بشأن جرائم حرب إسرائيلية في العدوان على غزة، وربما كان ما أعلن عن استقالة وزير الاقتصاد في حكومة رام الله، مؤشراً خطيراً، لأنه اعتبر أن الوفد الفلسطيني في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان لم يكن حازما بشان التقرير الذي ينتقد إسرائيل، واحتجاجا على موافقة السلطة الفلسطينية على تأجيل مناقشة التقرير الذي أرعب إسرائيل لأول مرة، وجعلها تدخل في جدالات لا تنتهي، بل ومطالبات بتحقيق داخلي لتجنب ما سماه بعض المسؤولين الإسرائيليين «تشويه صورة إسرائيل في الخارج»! الصورة غير مشوهة في أذهانهم بالطبع، فماكيناتهم الدعائية والآلات المتعاطفة مع الدولة العبرية، قادرة دوماً على قلب الحقائق، وتجعل من القتل الممنهج، دفاعاً عن النفس، ومن ارتكاب الجرائم، أمصالا وقاية، وبينما أشقاؤنا وأبناؤنا يروون بدمائهم الأرض، يغمض العالم عينيه، وكأنه لا يرى إلا ما تراه تل أبيب، ولا يسمع إلا ما تسمعه تل أبيب، ولا يتبنى إلا ما تطالب به تل أبيب. لكن إسرائيل المرعوبة من نتائج التقرير، ومن احتمالات اتهامها لأول مرة بارتكاب جرائم حرب، بالتأكيد تنفست الصعداء، لأنها عقب الاتهامات الأخيرة بالاتجار بأعضاء البشر وانتزاعها من أجساد الشهداء الفلسطينيين، باتت في وضع لا تحسد عليه أبداً، ومهما كانت نبرة الدفاع عالية، إلا أن المأزق كان حقيقياً، وكانت الدولة العبرية لأول مرة ستسقط في الفخ، منذ نجاتها من الفخ الأول إبان مجزرة قانا في لبنان، والتي أطاحت برأس الأمين العام للأمم المتحدة السابق بطرس غالي، لأنه تجرأ فقط على نشر التقرير. أن يكون التأجيل بطلب فلسطيني، فهذا ما لا جواب مقبولاً عنه، حتى في نظر الفلسطينيين أنفسهم، وقد يكون قرار الرئيس عباس تشكيل لجنة لتقصي الحقيقة، مجرد ذر للرماد في العيون، لأنه من المتعارف عليه انه إذا أردت أن تقتل موضوعاً في عالمنا العربي فلتشكل له لجنة، سيكون مصيرها اجتماعات، ولقاءات حتى تنتهي مهلة الأشهر الستة للتأجيل، وساعتها سيكون الأمر قد نسي تماماً وضاع بين دهاليز النسيان. مشكلتنا أننا ننسى، ومشكلتنا أننا نتهرب بالنسيان، ربما لتغطية عجزنا، وربما نعتبر النسيان نعمة من الله، بينما إسرائيل لا تزال تتاجر بمآسي اليهود، وتستنزف وتبتز كل الدول، إما بالهولوكوست، أو بمعاداة السامية، أو بعظام حمار كان قد استأجره يوماً يهودي لنصف يوم دون أن يدفع أجره.. ينصبون له نصباً ويؤلفون قصصاً، بينما نحن نتباكى على الشهداء والقتلى والضحايا.. ألم نقل إن دمنا رخيص جداً، وللغاية؟!