د.محمد العرب


جذر كلمة «التاريخومانيا» يأتي من الكلمة اليونانية «mania» التي تعني الهوس أو الجنون، والتي تضاف إلى كلمة «تاريخ» لتشير إلى الهوس أو التعلق المرضي بالتاريخ ، وفي الحقيقة هي كلمة اختراعها العبد الفقير إلى رحمة الله محمد العرب، والسبب في سياق هذا المقال..!
كتبت قبل أيام مقال عن الحضارات القديمة التي مرت على جغرافية إقليم كردستان شمال العراق، والمقال سرد تاريخي معلوماتي يخلو من الرأي التاريخي واقتصر على توضيح موضوع أهمية دراسة الحضارات المندثرة في تلك الرقعة الجغرافية، بسبب حجم تلك الحضارات وحجم تأثيرها، لذا، من المؤكد أن سبر أغوار تلك الحقبة سينتج عنه معلومات مهمة وقيمة، وشخصيا أعتقد أن أكثر عرق بشري تعرض للظلم والاضطهاد التاريخي في مربع تركيا وإيران والعراق وسوريا هم الكُرد، فهاجمني البعض انطلاقا من مواقفهم السياسية..!
عموما نعود إلى مصطلح «التاريخومانيا» الذي أحاول من خلاله تشخيص حالة سلوكية غير سوية يعاني منها شريحة واسعة من البشر ، والتي تؤدي إلى انعزال اجتماعي بسبب الانغماس الشديد في دراسة التاريخ على حساب العلاقات الاجتماعية وهذا يسبب إهمال الحاضر وعدم التركيز على تحقيق التوازن بين الحياة الاجتماعية والشخصية ويتسبب الاهتمام المفرط بالتاريخ في تجاهل المشاكل الراهنة وعدم الانخراط في القضايا والتحديات الحديثة التي تواجه المجتمع ، وهذا يوصلنا إلى حالة خطيرة مجتمعيا ، وعندما يكون الفهم التاريخي متأثرًا بالأهواء والميول الشخصية ، يتحول التاريخ إلى أداة لتبرير وتعزيز آراء معينة بدلاً من فهم الحقائق والسياق ويتم تشويه الحقائق التاريخية من خلال الانحياز والانتصار للأهواء، وهذا يؤثر على قيمة الدراسة التاريخية ويقلل من الفهم الشامل للأحداث ، لذا يجب على الباحثين والمؤرخين أن يسعوا للحفاظ على الحياد والموضوعية في قراءتهم للتاريخ لضمان فهم دقيق وشامل..
يجب علينا دائمًا أن نسعى إلى الشفافية والصدق في دراسة التاريخ القديم والحديث، ينبغي الاعتماد على المصادر الموثوقة والأدلة القوية لفهم الحضارات القديمة بشكل صحيح ودقيق وأنا هنا أقصد تلك الحضارات التي لم تنل نصيبا كافيا من البحث والتقصي، كما ينبغي علينا أن نكون حذرين ونمييز بين الوقائع التاريخية والأساطير والخرافات، وأن نحافظ على شفافية والتمسك بالمعلومات الدقيقة والموثقة لأنها المفتاح لفهم التاريخ بشكل صحيح وبناء تصورات دقيقة عن الحضارات القديمة..
شخصيا أعتقد أنه للكشف عن التاريخ الصحيح بعيدًا عن الخرافات والتزوير، يمكن الاعتماد على طرق مبتكرة ومقترحة، مثل استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي والبلوكشين، وتطوير منصات للتاريخ الرقمي، وإجراء دراسات تاريخية تشاركية، والاستخدام المتقدم للتصوير ثلاثي الأبعاد لإعادة بناء الآثار بدقة وتحليل تطورها عبر الزمن حيث يمكن لهذه التقنيات توفير رؤية مفصلة للهياكل القديمة وتحديد عمرها، هذه الطرق تساعد في تحليل البيانات التاريخية بدقة، وتوفير وصول سهل إلى المعلومات الصحيحة، وحتى نساهم في علاج مرضى «التاريخومانيا» وما أكثرهم حولنا..!
@malarab1