عبدالله الغنام


قرأت منذ زمن مضى الكثير من كتب تطوير الذات، وهناك عدد من العبارات والكلمات انتقلت من هذه الكتب تدريجيا إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وتمّ سوء استخدامها في غير موضعها، وأصبح أي اختلاف بين زميلين أو قربين أو صديقين أو زوجين يبدأ أحدهما أو كلاهما باستخدام هذه المصطلحات ليس من أجل الوصول إلى اختيار الرأي الأقرب للصواب، بل من أجل الانتصار للنفس في الغالب، وبأسلوب سفسطائي «اللعب على أوتار الكلمات» من أجل «أنا انتصرت في النقاش».
يُذكر عن الإمام الشافعي «ما معناها» أنه قال: ما ناظرت أحدا إلا وتمنيت أن يكون الحق على لسانه. والمقصود هو معرفة الحق، والعمل به ما استطعنا إلى ذلك سبيلا. صحيح أن بلوغ تلك المنزلة ليست بالأمر الهين، ولكنها تستحق المحاولة عدة مرات، ومما يشجع على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا».
ومن هذه المصطلحات التي حُملت ما لا تحتمل جملة: «تحمل مسؤولية اختيارك» نعم الإنسان له عدة اختيارات في الحياة، وفي مجالات شتى، ولكن لا يعني هذا أن الطرف الآخر يتملص من مسؤوليته، فقد يكون الأبن مثلا أخطأ في اختيار التخصص، فهل نقول له: تحمل مسؤولية اختيارك، ونتركه بلا نصح وتوجيه!. وهل حين يقع خلاف بين الزوجين نقول لأي منهما: تحمل مسؤولية اختيارك، ليتملص أحدهما من الوقوف بجانب الآخر وقت المحن والمصائب، وهل حين يتعثر الموظف سهوا سنشُق عليه بكلمة: تحمل مسؤولة اختيارك، لنتهرب من واجبنا في تعلميه الطريق الصحيح، وأسوأ من ذلك أن يخطئ إنسان ونحن نستطيع مساعدته، فنعتذر بنفس المقولة المذكورة آنفا، بل تصور معي لو أن شخصا رمى بنفسه في البحر، وهو لا يجيد السباحة؟ فهل سنهب للمساعدة أم نقول له بصوت مسموع وجلي: تحمل مسؤولية اختيارك!، والمراد من هذا المثال أن البحر هو الحياة، وكلنا منا بلا استثناء سيكون له يوما ما اختيار أو فعل أو قول خاطئ.
وأعتقد من وجهتي نظري أن النصح يأتي أولا قبل رمي الكلام جُزافا. وهناك بون شاسع وكبير بين أن تقول لإنسان: تحمل مسؤولية اختيارك من باب التشجيع والنصح ورفع المعنويات، وبين النقد والتهرب من مسؤوليتك في نصرته والوقوف بجانبه وقت الخطأ والأزمات، وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: «انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا، فقال رجل: يا رسول الله، أنصره إذا كان مظلومًا، أفرأيت إذا كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره».
والوقع المريء والملموس، أن الحياة لا تسير حسب مفاهيم أبيض أو أسود، صح أو غلط، يكون أو لا يكون، فهي مليئة بالمناطق الرمادية، نعم، سنقرأ ونسمع بعضا من المفاهيم من باب التنظير، ولكن حين نطبقها على أرض الواقع هي تحتاج إلى إعادة ضبط حتى يسير مركب الحياة بشكل متزن وطبيعي، ويكون أقرب إلى واقعية، وأبعد عن المثالية «الأفلاطونية».
وبالمختصر المفيد حين يكون صديقك أو زميلك أو زوجك أو تلميذك أو ابنك يمر في وقت شدة وأزمة نفسية أو معنوية أو مادية، ودار بينكم نقاش حاد، فلن يكون الوقت مناسبا أبدا ولا هو من الحكمة استخدام المصطلحات والجُمل التنظيرية التي تعلمتها من «غث وسائل التواصل الاجتماعي» بل تأتي مسؤوليك في نصرة أخيك في وقت الصعاب، فليس هذا وقتا لاستعراض عضلاتك والتفنن بالكلمات الرنانة والمنمقة من أجل الانتصار للنفس أو الذات؟! وأعلم أن لكل مقام مقال، والسلام خير ختام.
@abdullaghannam