صالح بن حنيتم

منطقة الباحة من المناطق التي تهطل عليها الأمطار صيفًا وشتاء، بفضل الله، كل عام، ومع هذا العام ازدادت كمية الأمطار على الباحة، وعلى غيرها من مناطق الوطن الغالية، فكانت الصور الجميلة عبر قناتنا الإخبارية، وكذلك المقاطع (الواتسابية) و(والسنابية) حول مشاهد (السيول) وجريان الأودية حديث الناس. وكل منطقة من مناطق الوطن فيها من عوامل الجذب السياحي الكثير، تلك المقاطع شجعتني لزيارة منطقتي منطقة الباحة، وشاهدت كيف عادت مروج ووديان وينابيع وشلالات المنطقة تعزف لأهلها وزوارها لحن الحب والحياة، وتتراقص العصافير المنتشرة على غصون أشجارها، على أصوات خرير ونغمات ينابيعها، وكيف كانت تتمايل (حشائشها) ذات الألوان الذهبية مع نسمات الرياح العليلة على سفوح جبالها (صفاحها)، في مشهد غاب عنا لأكثر من أربعين عامًا!!

ورغم انتشار البساط الأخضر قابله صورة عكسية لموت شجر العرعر الجماعي، الذي لا نعلم سببه. وأصبحت الصورة عكسية تمامًا. فبعد أن كان شجر العرعر الوحيد الذي يحتفظ باللون الأخضر على مدار العام، انعكست الصورة تمامًا، فكل شيء قد تحوَّل إلى اللون الأخضر، حتى الصخور نبتت الأعشاب بين تشققاتها، بينما شجر العرعر يموت بشكل جماعي ومخيف، وأصبحت بين المروج الخضراء أعواد خشبية بلا روح.

لقد كانت شجرة العرعر في الماضي مفيدة بجميع حالاتها أيام الحاجة، فمن أغضانها كان يؤخذ الحطب لشب النار على (الخبز) في كل بيت كل صباح؟ وما زلت أتذكّر ونحن على رؤوس الجبال نرعى الأغنام، كيف كنا نشاهد (دخاخين) شبة النار على الخبز من بيوت القرية، وما يتساقط تحتها من أوراقها الجافة يعرف (بالجفاف)، اشتق الاسم؛ لأنه يستخدم ليجفف الأرض الرطبة داخل البيوت، لامتصاص الروائح الناتجة عن الرطوبة، ومن سيقانها يتم تسقيف المنازل في كل قرية من خشب العرعر. وأخيرًا نحن وغيرنا ممن رعى الأغنام، أو عمل في الحقول لا بد من أخذ قسط من الراحة في ظلال شجر العرعر الوفيرة، كل هذا أصبح من الماضي، ومن عاش تلك الأيام، ويشاهد شجر العرعر اليوم، ستظهر على ملامحه العبرة، وفي داخل القلب عميق العبرة.. فسبحان مغيّر الأحوال.

هناك مَن كتب عن ظاهرة موت شجر العرعر الجماعي بحرقة، من أمثال الدكتور محمد حامد الغامدي، ونطمح أن نسمع من وزارة المياه والبيئة والزراعة عن مشروع إستراتيجي، يعيد لشجرة العرعر مكانها ومكانتها على سفوح الجبال، وعلى امتداد الأودية، ففي حياة العرعر بهاء للطبيعة وحفاظ على البيئة، وسعادة لمَن عاش وتعايش مع شجر العرعر في تلك الحقبة!

Saleh_hunaitem@