د. لمياء البراهيم@DrLalibrahim

في يوم تأسيس الدولة السعودية الأولى، بعهد الإمام محمد بن سعود في شهر فبراير من عام 1727م، نعتز بالجذور الراسخة لدولة ارتبط مواطنوها بقادتهم منذ عهد الإمام محمد بن سعود قبل ثلاثة قرون، استطاعت أن ترسي فيه قواعد الوحدة والأمن في الجزيرة العربية، بعد قرون من التشتت والفرقة وعدم الاستقرار، استطاعت فيه الصمود أمام محاولات القضاء عليها.

الاحتفاء بيوم التأسيس يؤكد على أهمية ربط الماضي بالحاضر لبناء المستقبل.

وأنا أجهز أطفالي للاحتفاء بهذه المناسبة في المدرسة، فكان لزامًا أن أبحث عن ملابس مناسبة، للولد لم تكن هناك مشكلة كبيرة، فالثوب السعودي يخدم جميع الظروف، وكذلك لدى ولدي البشت والدقلة بأكثر من نوع، لكن للبنت الوضع مختلف.

حاكيتهم عن سبب الاحتفاء بذلك، وما هو الفرق بين يوم التأسيس واليوم الوطني، حيث إني درست تاريخ الدولة السعودية الأولى لما كنت في المدرسة، لكن تخصيص يوم للتأسيس جعلني أقرأ أكثر، وأفهم لماذا يُخصص يوم للتأسيس والاحتفاء به كاحتفال سنوي وطني بإجازة رسمية، فتلك وسيلة من الوسائل السيكولوجية التي ترسخ المفاهيم الواجب تعلمها.

فالمملكة في خضم الصراعات الدولية، وسعيها الدؤوب للعلا برؤية ساقها سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان «يحفظهما الله»، تتحرك ضمن إطار التطوير الذي لم يكن وليد الصدفة أو لدولة مدنية حديثة لم يكن لها أصل وامتداد، هو أساس الثقة بحكم آل سعود، كدولة حكمت منذ ما يزيد على 300 سنة، ورغم الصراعات السياسية فكانوا يعودون للحكم بأقوى من السابق تساندهم أيدي شعبهم المحب، وسيستمر كذلك «بإذن الله» في هذه الدولة الكريمة بتاريخها وجذورها التي حكمت فيه الجزيرة العربية.

كنتُ أُخبر أبنائي عن كيفية توحيد المملكة تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله، رغم الاختلافات الديمغرافية والاجتماعية لتكون القبيلة السعودية محافظين فيها على الهوية الوطنية التي نظهرها في الاحتفال بيوم التأسيس.

وصادف قبل التأسيس زيارتي للمنطقة الشرقية، فاشتريت ثوبا لابنتي يحمل هوية المنطقة الشرقية، بدايةً لم تكن مقتنعة به، فهو مختلف عن هوية ثياب صديقاتها، وقد وُلدن جميعًا وتربّين في الرياض، لكن لما لبسته بلونه الأزرق والثوب النشل الأبيض المطرز بالذهب أثار إعجاب صديقاتها ومعلماتها وسألوها عنه، كانت سعيدة بذلك، لكن أخبرتني بأنها الوحيدة من المنطقة الشرقية وجميع صديقاتها من الرياض، ذكرتُ لها أن ذلك غير صحيح، فأنا أعرف أصول صديقاتها والكثير من زميلاتها؛ بسبب الكنية لكنهن لأنهن وُلدن في الرياض وعشن فيها بظل الأسرة النووية، صرن يعتبرن الرياض هي أصلهن ويعتقدن أن مناطقهن وقبائلهن هي بلاد أجدادهن.

وابنتي كانت تعتقد ذلك أيضًا وكنت ألاحظ الفرق في تفكير جيلهن عن جيلي، وأرى ذلك إيجابيَّا بتخفيف العنصرية وتقنين الفروقات، لكن يوم التأسيس حفظ الهوية ضمن هذا التغيير بأن الانفتاح والتطور يدمجان الهوية بمفاهيم ثقافية وطنية تعكس جمال تعددية المملكة في كنف الدولة السعودية الحديثة.

في ظل ذلك، كنت أكتب مقالي وأرى تأثير الأسرة في كل ذلك على النشء وأهمية تهيئتها، فهي الأصول في تحصين الأبناء ضد المتحكمات الخارجية التي لابد من مواجهتها، وبين تمييع الهوية وغيابها، كما في المجتمعات التي فقدت قيمها وبين تأصيلها لدرجة العنصرية ورفض المختلف، هناك شعرة ينبغي إدراكها في يوم التأسيس بأن المستقبل لا يمحو التاريخ، والتاريخ لا يسكننا فيمنعنا من المضي للمستقبل.