عبدالكريم الفالح@karimalfaleh

••• يتوافق الإبداع مع المعاناة والحزن وأحيانا... الجنون!!

الروائي الروسي ديستوفسكي اضطر للتسول في مرحلة من حياته وتم سجنه، وكانت حياته كلها صراعا مضنيا مع النفس حتى أن هذا الصراع انطبع على الكثير من أعماله التي تتضمن فهما عميقا للنفس البشرية، وفلسفته حول الحياة الإنسانية بما فيها من معاناة وحب وموت.

••• ألقي القبض عليه لمشاركته في تشكيل مجموعة أدبية سرية تناقش الكتب الممنوعة التي تنتقد النظام الحاكم، فحكم عليه بالإعدام، وتم تخفيف الحكم في اللحظات الأخيرة من تنفيذه، فقضى 4 سنوات في الأشغال الشاقة، تلتها 6 سنوات من الخدمة العسكرية القسرية في المنفى.

شدة تتبعها آلام، وكلها تصب في بوتقة المعاناة التي أثمرت لنا أدبا رفيعا منذ «الإخوة كارامازوف» ثم «الجريمة والعقاب» إلى «المقامر» فـ «ذكريات من منزل الأموات» وغيرها من الأعمال الخالدة التي ما زالت (تتكلم) برغم مرور أكثر من قرنين على كتابتها.

••• هذا عالميا أما محليا فنحن بصدد شاعر مبدع وصمه البعض بالجنون!!

ذلكم هو الشاعر حمد الحجي الذي وكما يقول الباحث خالد الدخيل: «إن المرحلة الثانية من حياته شهدت أعراض المرض وما ‏أعقبه، وهي مرحلة إبداعية واضحة، حيث حمل شعره مضامين ودلالات تنبئ عن ‏واقعه الداخلي، وقد بلغ في هذه المرحلة قمة نضوجه الفني، ثم تمكن المرض ‏منه، وتوقفه عن الإبداع، ولم يكتب إلا أبياتا قليلة جدا.. إبداع الشاعر لم يكن بسبب المرض الذي أصابه، ‏بل كان وليد المعاناة».

ها هي المعاناة تطل برأسها محليا في زاوية الحجي بعد أن مرت عالميا في ركن ديستوفسكي.

وكما ترون فإن المرحلة الإبداعية في شعر الحجي شهدت أعراض المرض وما ‏أعقبه.

إذا نظرنا حولنا إلى نواحي المبدعين من شعراء وأدباء وفلاسفة وكتاب وحتى مطربين، سنجد أن المعاناة والأنين والتوجع قاموا بزيارة لهم حاملين معهم قصص الإتقان والمهارة، فكم من مبدع داخله الحزن حتى نمت موهبته على غصن الإبداع واعتلى شأنه في مجاله.

عربيا: يبدو الشاعر السوداني إدريس ﺟﻤﺎل الذي ﻓﻘﺪ ﻋﻘﻠﻪ ودﺧﻞ ﻣستشفى اﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻦ، وأراد أﻫﻠﻪ أن ﻳﻌﺎﻟﺠﻮه ﺑﺎﻟﺨﺎرج، وﻓﻲ اﻟﻤﻄﺎر رأى اﻣﺮأة ﺟﻤﻴﻠﺔ برفقة زوجها ﻓﺄﻃﺎل اﻟﻨﻈﺮ إﻟﻴﻬﺎ والزوج يحاول أن ﻳﻤﻨﻌﻪ ﻓﺄﻧﺸﺪ ﻳﻘﻮل:

«أعلى اﻟﺠﻤﺎل ﺗﻐﺎر ﻣﻨﺎ ﻣﺎذا ﻋﻠﻴﻨﺎ أن ﻧﻈﺮﻧﺎ

ﻫﻲ ﻧﻈﺮة ﺗﻨﺴﻲ اﻟﻮﻗﺎر وﺗﺴﻌﺪ اﻟﺮوح اﻟﻤﻌنى».

وعندما سمعها اﻷديب عباس العقاد ﺳﺄل ﻋﻦ قائلها فقالوا له: إنه الشاعر السوداني إدريس ﺟﻤﺎل وهو الآن ﻓﻲ مستشفى اﻟﻤﺠﺎﻧﻴﻦ.

قال: ﻫذا ﻣﻜﺎﻧﻪ ﻷن ﻫﺬا الكلام ﻻ يستطيعه ذوو الفكر.

الشاعر هو صاحب الأبيات الشهيرة التي يقول فيها:

إن حظي كدقيق فوق شوك نثروه

ثم قالوا لحفاة يوم ريح اجمعوه

••• نهاية

الجنون... فنون!!