د. عبدالوهاب القحطاني

تُعدُّ صناديق الثروة السيادية حول العالم قنوات استثمارية تديرها الحكومات وشركات مالية وإدارية متخصصة في مجال الاستثمار العالمي. وقد زادت استثمارات الحكومات في هذه الصناديق السيادية يتقدمها الصندوق السيادي النرويجي الذي وصلت قيمة استثماراته حوالي 1.37 تريليون دولار في 2021م.

يدير البنك النرويجي للاستثمار الصندوق السيادي النرويجي. أما صناديق الثروة السيادية الصينية فقد بلغ حجم استثماراتها حوالي 1.35 تريليون دولار في نهاية 2021م. ويبلغ حجم الثروة السيادية للمملكة اليوم حوالي 620 مليار دولار بعد أن قاربت ما يملكه الصندوق السيادي النرويجي في 2014م. ويعود التراجع في الاستثمارات السعودية للصندوق للتوسع في استثمارات الحكومة في مشاريع نيوم وذالاين والقدية والبحر الأحمر والسودة وغيرها من مشاريع الأماكن العذراء.

وتملك الحكومات هذه الصناديق السيادية والمكونة من أصول مالية مثل الصكوك والأسهم والممتلكات الأخرى مثل العقارات وما شابهها من صيغ وأدوات استثمارية.

ويمكن أن يكون أساس الثروة المتراكمة في إيداعات العملات الأجنبية والذهب والمعادن الأخرى والاحتياطي النقدي الذي تحتفظ به الحكومات في بنوكها المركزية إلى جانب الأصول الوطنية مثل معاشات التقاعد والدخل النفطي والموجودات الصناعية الأخرى. أراها فرصة مناسبة للمملكة للاستفادة من زيادة الاستثمار في الصندوق السيادي السعودي في ظل الفرص الاستثمارية المحلية والإقليمية والعالمية، فستكون هناك فرص في الدول الصناعية المتقدمة يستطيع الصندوق السيادي السعودي الاستفادة منها عندما يستثمر في شركات ذات قيمة مغرية، خاصة أن اقتصادات الدول الصناعية المتقدمة تواجه تقلبات اقتصادية تغري الدول النامية للاستثمار فيها. لنأخذ على سبيل المثال لا الحصر الاستثمار في صناعة السيارات الكهربائية مثل سيارة لوسيد وسيارة تسلا وغيرهما من شركات صناعة السيارات الواعدة. وتبقى دراسة الوضع الاقتصادي العالمي للتحوط من المخاطر أهمية قصوى.

لا يمكننا أن نبعد الصناديق السيادية عن المخاطر السياسية والاقتصادية في العالم، حيث تتأثر بالأزمات؛ ما يؤثر في معدل العائدات وربما يتأثر رأس المال المستثمر. لا شك في أن علاقات المملكة بالدول الغربية مستقرة مهما شابها من تذبذبات، لكننا لا نستطيع التحكم في استمرارية هذه العلاقات الطيبة عندما تنشب النزاعات الدولية في منطقة الشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم، كما يحدث الآن بين روسيا وأوكرانيا، وما يشكله التدخل الأمريكي والغربي في استمرار الحرب وتوسّع تأثيرها.

المقاطعة الغربية للنفط والغاز الروسي وما تبعها من مقاطعة روسية مضادة للضغط على الدول الغربية لإنهاء دعمها لأوكرانيا اقتصاديًّا وعسكريًّا وسياسيًّا يعتبر مثالًا واضحًا على المخاطر السياسية والاقتصادية.

ولقد أصدرت الحكومة الأمريكية تشريعات تهدف إلى حماية الأمن القومي الأمريكي من المخاطر المحتملة للصناديق السيادية العالمية، وذلك حتى لا تفقد السيطرة الاقتصادية والسياسية. ويُعد تشريع اكسون- فلوريو Exon-Florio من التشريعات المعدلة الهادفة لحماية الأمن الاقتصادي الأمريكي من السيطرة الأجنبية على الاقتصاد الأمريكي، حيث استخدمه بعض أعضاء الكونجرس ضد هيئة موانئ دبي لمنعها من عقد تدير بموجبه بعض الموانئ الأمريكية بحجة أن ذلك يهدد الأمن القومي الأمريكي.

وهنا أشدد على أهمية فهم إدارة الصناديق السيادية للصيغة القانونية التي يمكن أن تستغل ضدها.

ومن الضروري أن يستثمر الصندوق السيادي السعودي في مجالات متنوعة، بحيث يقلل من الاعتماد على صكوك الخزانة الأمريكية، وليدخل في مجالات واعدة لتقليل نسبة المخاطر وزيادة نسبة العائدات الاستثمارية.

تنويع الدول المستقرة سياسيًّا والشركات الجاذبة للاستثمار ضرورة. يمكن للقائمين على الصندوق السيادي الاستفادة من الخبرات العالمية مثل تجارب الصين وسنغافورا وكوريا الجنوبية، حيث حققت هذه الدول عائدات استثمارية عالية من صناديقها السيادية.

@dr_abdulwahhab