د. مطيران النمس

التقيت رجلا من أصحابي وحكى لي قصة بأنه أخذ بنتا من مستشفى في إحدى المدن السعودية بعد سلسلة من الإجراءات النظامية والضوابط لمثل هذه الأمور، وجعلها تعيش مع أولاده حتى أصبحت شابة في سن الزواج ولا تزال عنده في بيته حتى اللحظة حسب ما توفر لي من معلومات، وتعامل معها بمعاملة حسنة مثل أولاده في كل معاني الرعاية والاهتمام والمصروف والاحتياجات ويقول لي: كل أبنائي يعتبرونها أختا لهم ولا أذكر يوما من الأيام أنهم حسسوها بأنها ليست أختا لهم وتعيش في أمن وأمان، عاشت البنت في كنف والدين جعلاها محل كل عناية ومندمجة مع العائلة وتبادلهم نفس المشاعر والأحاسيس وقد مكنوها من ممارسة حياتها الطبيعية في المعيشة ومواصلة الدراسة، هذه القصة عشت تفاصيلها مع إنسان جميل في مشاعره وأحاسيسه ويمتلك من الأخلاق الراقية وقد أسعدني كثيرا في هذا العمل الإنساني النبيل الذي يحتاج لصبر وثقة ونفس بشرية صافية من الخبث والحسد والحقد وغرس فيها طابع العمل الإنساني والاجتماعي الذي قلما يتوفر في كل شخصية إنسانية فهذه الحالات نادرة ومعدودة، وفي جانب إنساني مضيء آخر حدثني زميل لي بأن هناك رجلا عندما حضرته الوفاة وكان لديه أبناء وبنات البعض منهم فيه تخلف عقلي فطلب شخصا لا يمت له بصلة قرابة من الدرجة الأولى، ولكن يعتبر من جماعته واختاره من بينهم فأوصاه بأولاده فقبل ذلك الرجل الشهم الوصية وبعد وفاة والدهم، بدأ العمل الإنساني الكبير فأخذ هؤلاء الأولاد ووالدتهم ووضعهم في منزل يخصه وبدأ يؤمن لهم لقمة العيش ورفض كل التبرعات التي وصلت له وقال للجميع: هذه قضيتي وهذه وصية غالية علي وأنا بإذن الله أستطيع القيام بتنفيذها، وبدأ يهتم بهم ويصرف عليهم على الرغم من دخله البسيط وبعد فترة كبر العيال وكبرت البنات، ولا يزالون عنده حتى لحظات كتابة هذا المقال حسب ما توفر لي من معلومات كما أنه توجد بنت واحدة سليمة وصحتها طيبة ومكنها من الدراسة حتى تخرجت وتعينت في المجال الصحي وجاء تعيينها في منطقة غير منطقتها وطلب من مديره الذهاب معها كولي أمر لها ووافق، وأخذ أهله وذهب معها لتلك المنطقة حتى قضت مدة معينة وطلبت النقل ورجعت لمنطقتها وعاد معها، كما حدثت عما حصل لهذا الإنسان العظيم من التوفيق في الحياة وسعة العيش والتمتع بالصحة وصلاح الأبناء وسعادة الأسرة، مهمة إنسانية عظيمة من إنسان كبير وعظيم كتب الله له الأجر والثواب عليها، وفي جانب آخر من الحياة مظلم أتعبني كثيرا بعد ما عشت مسرورا مع تلك الأحداث من القصص الماضية، بعد أن قرأت ما كتب على لسان مديرة دار أيتام تقول: زوجان لم ينجبا ‫طفلا فأخذا طفلا من دار الأيتام وبعد أن رزقهما الله بالذرية أعادا اليتيم للدار ومر عامان وهو يسأل متى سيعودان إليه، مسكين هذا الولد جرب اليتم مرتين وما قام به هذان الشخصان عمل غير جيد وغير إنساني، فإذا لم يكن الإنسان على قدر المسؤولية والثقة لا يتجاوز حدود الأدب ويقسو على الآخرين ويكسر مشاعرهم، لأنه كسر المشاعر مثل كسر الزجاج لا يجبر.

@alnems 4