د. نورة الهديب FofKEDL @

في زحمة الحياة وظروفها المُتغيرة يتوقف الإنسان - أحياناً -، ليتأمل ذاته ويراجع إنجازاته. ليُعيد ترتيب أموره، أو يغيرها بما يتناسب مع احتياجاته في كل زمان ومكان. ولا يختلف العُقلاء من البشر بأن السعادة غاية ووسائلها متنوعة تتراوح بين المادية والمعنوية، ولا أسرار لها ولا طلاسم. بل هي قوة معنوية تسكن في عُمق النفس، ولصاحبها القدرة على تفعيلها إذا نجح في اكتشافها والتّعرف عليها.

ولأنها قوة معنوية، فلا بد لها من مصدر يُغذيها ليكون لطاقتها الأثر على صاحبها أولاً ومحيطه. ولو افترضنا بأن السعادة جزء من الفطرة، فإنها تُعتبر أصلا تقوم عليه العواطف التي تنمو وتمتزج بالمنطق. وبين هذا وذاك، فإن السعادة الحقيقية تكمُن بالتوازن في معادلة العطاء والأخذ بين القلب والعقل. والإنسان العاقل يدرك تماماً بأنه يملك جميع الأدوات التي تُمكنه من التحكم بالمعادلة.

وبداية السعادة تكمُن في الإرادة التي لا تتأثر بأي ظرف أو حال يمُر به الإنسان. فالعزيمة والإرادة تصنعان القرارات التي يبني عليها الإنسان ذاته أولاً، ويعين بها محيطه. ولكن لكل قرار تراكمات عاطفية ومنطقية، والعاقل هو الذي يستنتج الرُشد والحكمة من تجاربه ليصنع بها قراره.

ومن الجميل أن يخلو الإنسان بنفسه؛ ليتأمل ذاته أولاً ومحيطه ثانياً. لأن التأمل والتّفكر وغيرها من العمليات العقلية تُساعد على فهم الأصل في الوجود، لتتكون من خلالها المعارف. وكل ذلك، يوسّع مدارك العقل والقلب في النفس البشرية لتكون تطلُّعاتها أكبر من مجرد تقلُبات في ظروف الحياة.

فالسعادة الحقيقية تبدأ بعد اتّخاذ القرار بأن القناعة والرضا عمليتان تعكسان نتيجة المعادلة التقليدية بين الأخذ والعطاء، التي يتضجر منها الجُهلاء - عادةً - في هذه الحياة. فالسعادة تكمُن في سلامة النفس وطمأنينتها بأن وجودها شرط لعودتها إلى خالقها.