د. ولاء قاسم

العدوانية نزعة كامنة مرتبطة بالنوع البشري، مدعومة بالذكاء وسعة الحيلة، فالعداء ليس سلوكا طارئا أملته وضعية عابرة أو رد فعل لمثير خارجي إنما هو في أصل السلوك الإنساني.

يقول من يعتبره الكثيرون إمام العارفين بالنفس البشرية في عصرنا (فرويد): «الإنسان ليس كائنا مهذبا ودودا، يتمنى الحب، ويدافع عن نفسه إذا هوجم وحسب،،، بل هناك رغبة قوية في العدوان، لا بد من احتسابها جزءا من طبيعته».

تذهب طائفة من علماء السلوك أن العداء ضرورة لبقاء الفرد والدفاع عن وجوده تجاه الكائنات الأخرى فإذا كان الحيوان يصد الأذى عن ذاته بجسده فالإنسان يدفع الأذى بآلاته التي صنعها بتشغيل الفكر واليد لحفظ المهابة وتأمين المجموع، صفاتنا العدوانية تم انتقاؤها وحفظها في سياق التطور.

مشاعر العجز التي تأتينا من مصادر متعددة هي الجذر الطبيعي للعدوانية، فنحن البشر نتألم من فكرة الموت التي تشعرنا بأن مركزنا في الحياة غير مستقر، نتألم من الظروف والأقدار التي نشعر أننا لن نستطيع التحكم بها، نتألم من فكرة تغير من نحبهم وعدم قدرتنا على قراءة أفكارهم أو الاتكال على استمرار تأييدهم الكامل لنا، إضافة إلى مخاوف تنبع من جروح في طفولتنا يعاد فتحها مرارا، كل ذلك يشعرنا بهشاشة وضعف شديد يدفعنا إلى الرغبة في التحكم والسيطرة.

القبول بكل هذه القيود والحدود مع الالتزام ببعض القوانين والقواعد الاجتماعية يشكل سياج الحماية الذي نقف خلفه لنظل محبوبين ومحترمين، لكن الحال قد يختلف مع أصحاب العدوانية المزمنة فالإحساس بالعجز يتفشى فيهم بعمق أكبر، فهم يشعرون دائما بعدم استقرار كامن في نفوسهم وقلق مستمر وجرح عميق يخلف مشاعر مدوية بالعجز ربما استمرت معهم من سنوات طفولتهم الأولى لذلك فحاجتهم للسلطة وفرض الذات ولو بالقوة حاجة عاجلة لا تقبل الحدود وتتجاوز المسئولية الاجتماعية.

ولما كان العدوان مركبا في الطبع فلا مخرج سوى تقنينه وإعادة توجيهه واستعمال طاقته الهائلة للانتقاء والارتقاء مع الحذر من توجيهه نحو الذات أي استبطانه وممارسته ضد النفس فيصبح قوة لاشعورية تتحكم بك، على صورة كره الذات وإحباط وغضب مكبوت ينشط التدمير الذاتي.

ليس مطلوبا منك أن تنكر ميولك العدوانية فجميعنا نحمل درجة من طيف العدوانية، بدلا عن ذلك اعمل على توجيه هذه الطاقة لتحقيق أهدافك وطموحاتك، فتزيد من اندفاعك ومستوى طاقتك مع استحضار جانب من نوازع الطفولة وحالات البراءة الأولى التي ستغنيك عن تحضر زائف يمثله البشر على بعضهم قسرا دون أن يقطفوا ثماره، فالحضارة تترسخ فينا عندما ننقاد للقواعد طوعا ونلتزم بالحب والعفة والشجاعة والحكمة فجميعها قيم فطرية ولدنا بها لكنها أضحت منسية في الذاكرة أو ضائعة في متاهات النفس.

استخدم هذه الطاقة لاستعادة المثابرة واملأ نفسك بالرغبة لتحقيق غايتك واستمر في هجومك من زوايا مختلفة وبطرق جديدة وأطرح عنك كل الشكوك وامتلك العزيمة والصبر لكفاح قد يطول فالنجاح الحقيقي لا يتحقق بتشنج وحيد وعابر للعاطفة.

اتصل بروح الجرأة والجسارة فهي صورة إيجابية للعدوانية وهي طبيعة مجبولة فينا، فالجبن الذي يعترينا نابع من مخاوفنا المتعاظمة مع تقدمنا في العمر بعد أن أصبحنا نقلق بشأن ما يظنه الآخرون بنا ونستبطن شكوكهم، فدرب نفسك على الجهر بصوتك والدفاع عن نفسك وأظهر لكل متنمر أن خلف الوداعة التي تظهرها أسدا داخليا يعرف متى وكيف يشق طريقه للخروج.

@wallaabdallagas