د. لمياء البراهيم

أولت المملكة العربية السعودية اهتماما كبيرا بالصحة يبدأ ذلك من النظام الأساسي للحكم من المادة 27 والتي تنص على أن تكفل الدولة حق المواطن وأسرته، في حالة الطوارئ، والمرض، والعجز، والشيخوخة، والمادة 31 التي تنص على أن تعنى الدولة بالصحة العامة، وتوفر الرعاية الصحية لكل مواطن.

في الإنجازات الصحية المتميزة عندما يحقق طبيب ما إنجازا طبيا في منشأته تعلن المنشأة نجاح هذا الإنجاز وتنسبه للفريق الطبي والإداري وغالبا لا يذكر اسمه بل ويمنع أن يسوق الطبيب لنفسه بحسب نظام مزاولة المهن الصحية، بينما إذا حصل خطأ طبي أو مشكلة ما فالطبيب هو من سيتحملها بسلسلة من التحقيقات والتي تصل إلى التجريم وكف اليد والتشهير به، وعلى المتضرر اللجوء للقضاء حتى تثبت براءته أو التعسف بتجريمه.

الطبيب السعودي كفاءة وطنية هي رأس مال بشري وطني، وسمعته يشهد لها من مستويات عالمية سواء أكان من ناحية الأخلاق أو الإنجازات ولا عجب فمرحلة تأهيل الطبيب وحتى يصل لدرجة استشاري دقيقة جدا من حيث التأهيل والتصنيف، ولذلك كانت أنظمة الدولة تمنح الأطباء ميزات وظيفية مقارنة بالمهن الصحية الأخرى لتشجعه وتحافظ عليه.

هناك حالة إحباط دفعت العديد من الأطباء الاستشاريين لترك الوظيفة بالنقل أو الاستقالة أو حتى تغيير المجال المهني لمجالات غير صحية رغم الميزات الوظيفية التي تمنحها الدولة بسبب جهات أعمالهم، ومن لم يستطع الاستقالة الفعلية فقد اختار الاستقالة الصامتة ما يمثل هدرا لموارد الدولة والواجب الوطني في خدمة هذا الوطن المعطاء، وكان من بعض المسببات بحسب روايتهم حيث لا توجد دراسات من جهات محايدة:

• تحميل الطبيب وحده مشاكل النظام الصحي بدون منحه صلاحيات التحسين والتغيير مثل: غضب المريض من عدم منحه إجازة طبية أو المضاد الحيوي،، تأخر المواعيد أو دخول المريض على الطبيب أو مواعيد العمليات أو الفحوصات بسبب ازدحام سجل المواعيد، أو نقص الكوادر الصحية المساعدة في الفريق الطبي لتقديم الرعاية الصحية.

• زيادة الشكاوى على الأطباء والدفع لذلك من قبل بعض الزملاء والإدارات في بيئة عمل طاردة، وإنهاك الطبيب في الشكاوى مع تشويه سمعته المهنية.

• تحميل الطبيب عبء الأخطاء الطبية، علما بأن 80 % من الأخطاء الطبية تنجم عن خلل في النظام وعن العمليات سيئة التصميم مقارنةً بحدوثها نتيجة الممارسات الخاطئة أو الممارسين غير الأكفاء.

• عدم وضوح الرؤية والرسالة والمسار المهني والتعاقب الوظيفي في بعض الجهات الصحية وعدم المساواة في الفرص ما أثر على الشغف في المهنة وتحول عملهم لعمل روتيني قاتل للإبداع والتطوير.

• التنمر الوظيفي من بعض المنظمات الصحية تجاه بعض الأطباء الاستشاريين والكفاءات من الممارسين الصحيين والتي تصل للجور المؤسسي والظلم بتكييف النظام من الشئون القانونية بها التي تكون «خصم وحكم»، ما يدفعهم مكرهين للاستقالة، أو الدخول في دوامة من الترصد والتظلم و الشكاوى والقضايا القانونية.

وعندما نتذكر مخرجات شيطنة بعض المهن مثل التعليم والأمن فقد كان ممنهجا لتبرير الاعتداء عليهم بتحريض انساق له البعض لربما جهلا بتأثير هذه الشيطنة سيكولوجيا أثار الفوضى وتساهل في الجريمة.

نعايش بوادر الإصلاح في النظام الصحي بالمملكة بدءا من الخصخصة، كما أنه مؤخرا صدر قرار من مجلس الوزراء بالموافقة على أن يشمل التأمين التعاوني الإلزامي ضد الأخطاء الطبية الممارسين الصحيين حرصا على تحسين جودة الخدمات الصحية.

نأمل أن تشمل الإصلاحات في النظام الصحي قياس مؤشر الدوران الوظيفي للممارسين الصحيين المؤهلين بتأهيل عال عموما وللأطباء الاستشاريين خصوصا في جميع القطاعات الصحية لمعالجة مسببات التسرب الوظيفي استكمالا للحوكمة وحفظ موارد الدولة ضمن التحول الوطني الشامل الذي نلامسه في قطاعات عدة بالمملكة.

.