عبدالله الغنام

عندما تزور أي بلد، فإن الانطباع العام يأتي إليك من خلال مشاهدة سلوكيات الآخرين في الأماكن العامة، وأيضًا من أسلوب تعامل الناس فيما بينهم ومع المقيمين والسائحين.

يقال إن الانطباع الأول هو الذي يبقى عالقًا في الذهن طويلًا! وقد تلامسه من أول هبوطك في المطارات، ومن التعامل مع الناس سواء في الطرقات أو المحلات والمجمعات التجارية، وكذلك من خلال الحديث المباشر معهم. أضف إلى ذلك من تلك المشاهدات للمنشآت وللمرافق العامة وفي درجة المحافظة عليها.

ولا يكاد يخفى على أحد أن من أوضح وأقوى المشاهد حين نرى الحدائق والمتنزهات العامة والطرقات نظيفة خصوصًا بعد أن تكون هناك تجمعات بشرية لأنشطة مختلفة، فهذا دليل صريح على رقي الذوق العام لدى المجتمع، وأنه يهتم للصورة العامة لبلده ووطنه.

وفي المقابل حين ننسى شعار (دع المكان أحسن مما كان) يصبح الانطباع سيئًا جدًّا وتُدعى مثلبة في حق المجتمع حين نرى تراكم الأوساخ في المتنزهات البرية وشواطئ البحرية؛ بسبب السلوكيات الخاطئة.

وبمناسبة الحديث عن (الذوق العام)، فقد دشّن، قبل أيام قليلة، صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز أمير المنطقة الشرقية، برامج مبادرة «وطن الذوق»، والتي تهدف لإيجاد بيئة مجتمعية تمتاز بالذوق في جميع التصرفات والتعاملات لجوانب الحياة المختلفة، استنادًا إلى القيم الدينية والمعايير الاجتماعية.

وأكّد سموه أهمية تعزيز القِيَم الإسلامية والاقتداء بنبينا «عليه أفضل الصلاة والسلام» في حسن التعامل، منوِّهًا بأهمية تنمية الممارسات السلوكية المعززة للذوق في البيئة المجتمعية، والإسهام في بناء قِيَم الذوق العام والمواطنة.

والجمعية السعودية للذوق العام أطلقت مبادرة «وطن الذوق» تحت شعار: (الذوق العام أسلوب حياة ونهج وطن)، والتي تشمل عشرة برامج، منها برنامج «سفراء الذوق» وذوقيات المساجد «بيوت المتقين»، وذوقيات المتنزهات والحدائق «متنفس»، وذوقيات التفاعل مع الأشخاص ذوي الإعاقة، وذوقيات المقاهي والمطاعم، ورياضتنا ذوق، والقيادة بذوق، ومنصات ذوقية، وذوقيات وافد، وبرنامج «كود الذوق». مثل هذه المبادرات لها دور فعَّال في توعية المجتمع والارتقاء به، وإظهار أفضل الممارسات والسلوكيات الإيجابية، وكذلك تعزيز المفاهيم الإسلامية في التعامل مع الآخرين، ويشمل الأفراد والمؤسسات.

وأعتقد أن ديننا الحنيف قد جاء بقواعد ذهبية في مسألة الذوق العام منها: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، «إن الحياء لا يأتي إلَّا بخير»، «وخالق الناس بخلق حسن»، و«أن من شُعَب الإيمان إماطة الأذى عن الطريق».

والقائمة طويلة جدًّا في الحث على هذه المفاهيم والقِيَم المجتمعية، ويأتي على رأس الهرم كقاعدة عامة تشمل كل القيم والمبادئ الأخلاقية والسلوكية، قول عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- في وصفها للرسول «عليه الصلاة والسلام»: «كان خُلُقُه القُرآنَ».

ولابد من الإشارة إلى أنه قد صدرت سابقًا لائحة المحافظة على الذوق العام. تلتها بعد ذلك قائمة لمخالفات الذوق العام والغرامة المحددة لكل مخالفة.

وللمعلومية والفائدة، فإن المقصود بالأماكن العامة: الأسواق، والمجمعات التجارية، والفنادق، والمطاعم، والمقاهي، والمتاحف، والمسارح، ودور السينما، والملاعب، ودور العرض، والمنشآت الطبية والتعليمية، والحدائق، والمتنزهات، والأندية، والطرق، والممرات، والشواطئ، ووسائل النقل المختلفة، والمعارض، ونحو ذلك.

فالمسألة إذن تبدأ بالتوعية والبرامج والمبادرات لتحث الناس وتعلّمهم وتذكّرهم، ولكن لابد أيضًا من قائمة للغرامات لأن البعض قد لا يردعه إلا ذلك! والمقصد الأول والأخير ليس التوعية ولا العقوبات بحد ذاتها فتلك وسائل، ولكن الغاية أن تكون الأماكن العامة منضبطة في السلوكيات، وأن يكون الذوق العام السائد هو الاحترام للآخرين، وكذلك الاحترام العام للقيم والعادات والتقاليد والثقافة السائدة في المملكة.

إن الذوق العام مؤشر لوعي ورقي المجتمعات.

abdullaghannam@