د. ولاء قاسم

عملية الاختيار هي رحلة تخترق فيها حدودك الدفاعية وتتخطاها لتختبر الحياة بانفتاح وشجاعة، قد تكون عملية مربكة ومعقدة لبعض الناس، خصوصا في ظل حالة التوهان والانفصال عن الذات وكثرة المشتتات وترسيخ القوالب المادية للحياة الذي نشهده في أيامنا هذه، مما يصعب علينا عملية الاختيار التي تتطلب فهما للذات وتعمقا في قيمها وتحديد لمحركاتها السيكولوجية.

الاختيار هو مركز العملية التطورية للإنسان، والتطور سنة من سنن الكون، كل خيار يدعم تطورك حتى خياراتك التي تعتقد أنها خاطئة ولم ترض عن نتائجها فمن المؤكد أنها ساهمت في رفع درجة وعيك بكثافة التجربة رغم أنها عملية تطور بطيئة، وقد تحتمل في طياتها الألم، لكن يمكنك أيضا أن تسعى إلى التطور السريع الذي تسعى إليه الشخصيات الواعية ذات الإدراك الموسع التي تحررت من قيودها الحسية واتجهت نحو خيارات مسؤولة تساهم في تطورها بحب بدلا عن الألم.

لكل منا جانب محسن وجانب أناني في شخصيته، الخيار المسؤول يصدر عن شخص أدرك جوانب شخصيته التي تتصارع فيما بينها، واختار الجانب الذي يستحق أن يوليه الدعم والرعاية، الخيار المسؤول هو خيار مبني على تيارات الطاقة ذات الترددات العالية من الحب والرحمة والتسامح، هو خيار يقوم على الوحدة ويتسامى على الخوف والغضب ويقودك باتجاه ذاتك العليا ومسارات القوة الحقيقية وسد الفجوة بين رغبات الأنا الزائفة ورغبات الروح.

تختار الشخصية دروب الانفعال والتشويق وتنظر للقوة على أنها خارجية، وتعتمد معايير الخطر وعدم الأمان وحسابات متطرفة للربح والخسارة، أما المسؤولية والحكمة والاهتمام بالآخر فليست من أولوياتها بالضرورة، لكنك عندما تتفاعل مع الآخر عبر مدركات الشخصية والحواس الخمس ستخسر قواك الداخلية الحقيقية وتستسلم لتصدع الشخصية الذي يفقدك الطمأنينة وتفقد طاقتك في صراعات بائسة تحتدم بداخلك نتيجة للغضب والغيرة والحسد ثم تستوعب أنك استهلكت نفسك أكثر من اللازم، في مساراتٍ تمشي إليها لكنها لا تقدم لحياتك.

خيارك الواعي يجب أن تبنيه على معرفة عميقة بالدوافع وبالنتائج المترتبة على الاختيار، وتعامل ناضج مع الإغراءات المادية التي تعترض تطورك الروحي، الإغراء ليس فخا وإنما هو فرصة للتعلم دون توليد استحقاقات جديدة، فهو تجربة افتراضية تصارع فيها ظلامك الداخلي لتنتصر عليه دون أن يتسرب فيلوث بتداعياته الوعي الجمعي، في مشهدية بالغة الجرأة لمعنى أن تكون إنسانا بكل ما تحمله ما تناقضات.

وتذكر أنك لو لم تسع إلى استكشاف نورك الداخلي فلن تسعفك أضواء الكون، لكن عندما تتحد مع روحك ستجد النور في كل نوافذ الوجود.

@wallagassim.