د. سعود بن عبدالله العماري

قرأتُ، مؤخرًا، معلوماتٍ، نُشِرت على موقع «تويتر»، عن تاريخ إنشاء كلية البترول والمعادن، في بداية الستينيات من القرن الماضي، (جامعة الملك فهد للبترول والمعادن اليوم)، وعلى الرغم من أن المعلومات كانت في مجملها طيبةً، إلا أن ناشرها، أو ناقلها، أشار إلى أن أرامكو عارضت فكرة إنشاء كلية للبترول آنذاك. والواقع أنني كنتُ قد سمعت كلامًا مشابهًا من قبل، لذلك، شدَّني الفضول لتقصِّي مدى صحة هذه المعلومة، ولقد بحثتُ، وسألتُ مجموعة من الإخوة المهتمين بهذا الشأن، لكنَّني لم أجد دليلًا قطعيًّا على ذلك.

وأنا لا أستغرب أن الشركة كانت تُحبِّذ، قبل ما يقارب ستين عامًا، إنشاء معهد أو معاهد فنية لتخريج سعوديين يتقنون المِهَن التي تحتاجها في أعمالها، وفقًا للاتفاق المُبرَم بينها وبين الدولة كمستثمر أجنبي، والذي دعا إلى توظيف وتدريب السعوديين في جميع الأعمال التي يمكن أن يقوموا بها، ولم تتضمن اتفاقية الامتياز إنشاء كلية أو جامعة، والشركة كانت، بالفعل، بحاجة إلى مهنيين وفنيين آنذاك أكثر من حاجتها للجامعيين.

لكنني لم أجد ما يؤكّد أنها عارضت (بالمعنى الصريح) إنشاء مؤسسة جامعية للمتخصّصين في علوم صناعة البترول والمعادن، وإن كان من الطبيعي أن يوجد في أرامكو أفراد يُعارضون الفكرة، لكن معارضتهم إنما تُعبِّر عن آرائهم الشخصية، وليست بالضرورة تعبيرًا عن وجهة نظر الشركة. علمًا بأن فكرة تأسيس كليةٍ للبترول والمعادن، طُرحت ابتداءً في الفترة التي كان فيها معالي عبدالله بن حمود الطريقي، رحمه الله، يتولى وزارة البترول والثروة المعدنية، لكنها نُفِّذت في فترة تولي معالي أحمد زكي يماني، رحمه الله، الوزارة.

ولكن، بالنسبة لي، مما يؤكد عدم صحة الادعاء بمعارضة أرامكو، كشركة، لإنشاء كلية البترول والمعادن، أن أرامكو كانت، قبل طرح فكرة الكلية بسنوات، وبعد ذلك، تبتعث موظفين سعوديين للخارج لدراسة الهندسة والجيولوجيا والعلوم الأخرى التي تحتاجها في مختلف قطاعاتها.

وقائمة هؤلاء المبتعثين الذين عادوا ليخدموا بلادهم، من خلال الشركة، ويتولوا أرفع المناصب فيها، طويلةٌ جدًّا، ولستُ في حاجةٍ لأن أقول إن من أبرز الأسماء فيها اثنين من عمالقة صناعة النفط؛ معالي ‏المهندس علي النعيمي، وسعادة الأستاذ عبدالله جمعة، يحفظهما الله.

كما أن أرامكو وافقت دون تردد، بعد صدور الأوامر بتأسيس الكلية، على تخصيص الأرض التي قامت عليها الكلية في حينها، وتقوم عليها الجامعة حاليًّا لمشروع هذه المؤسسة الأكاديمية، رغم أن الأرض، كما يعرف الجميع، تقع في قلب الظهران فوق جزءٍ من حقل الدمام! كما أن أرامكو أسهمت في وضع المنهج الدراسي لقسم هندسة البترول في الكلية، وابتعثت، على مر السنوات، الآلاف من موظفيها للدراسة فيها، كما أن خريجي الكلية، ثم الجامعة، تبوَّأوا عددًا من أرفع المناصب القيادية في الشركة وخارجها.

لكن الأهم من هذا، من وجهة نظري، هو أنني أعدُّ الحديث عن معارضة أرامكو لهذا المشروع الأكاديمي التنموي من باب إهدار الوقت والجهد في أمورٍ لا طائل وراءها، بل ربما كان من باب التنفيس عن مكنوناتٍ نفسيةٍ، ربما كانت لها أسبابها التي لا علاقة لها بكليّة البترول والمعادن نهائيًّا.

كما أن اتهام أرامكو بأنّها سعت إلى عرقلة تطوير السعوديين، من خلال معارضتها مشروع الكلية، هو اتهامٌ يعرف الجميع أنه غير صحيح؛ لأنَّ إسهامات أرامكو في تبني الكفاءات السعودية وتطويرها وإتاحة المساحة اللازمة والفرص لها للنمو والصعود والارتقاء، داخل الشركة وخارجها، كالشمس التي يتعذر أن يُغطيها الغربال.

ولعلي، بالمناسبة، أتحدّثُ عن تجربتي الشخصية؛ فلقد استفدتُ شخصيًّا من البرامج التطويرية التي أتاحتها لي الشركة، فأكملتُ دراساتي العليا في الولايات المتحدة الأمريكية كمبتعَثٍ من الشركة. وما أنا إلَّا غيض من فيض من السعوديين الذين تعلَّموا وتطوَّروا من خلال برامج الشركة الناجحة.

وإذا كان لنا أن نتحدث عن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، مُنطلقين من سابقتها كلية البترول والمعادن، فإن علينا أن نقول بصدق إن مما يثلج الصدر أن الجامعة أصبحت، في السنوات القليلة الماضية، صرحًا علميًّا وبحثيًّا أكثر تميُّزًا ورُقيًّا، خاصةً بعد تولّي صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وزير الطاقة، وأحد خريجي هذه الجامعة المميزين، رئاسة مجلس أمنائها، وكذلك تعيين الدكتور محمد السقاف، المهندس والقيادي الذي تألق في أرامكو السعودية، مديرًا لها.

ففي هذه المرحلة الذهبية، وسَّعت الجامعة قاعدتها الأكاديمية والبحثية، وأضافت العديد من التخصصات المتقدمة التي تدعم الاقتصاد الوطني، وتُسهم في تحقيق مستهدفات رؤية «المملكة 2030»، كما فتحت باب القبول والدراسة لبنات الوطن في مختلف التخصصات والدرجات العلمية، واستفادت من صندوقها الوقفي، فأطلقت مشروعاتٍ استثمارية لتطوير أصول الجامعة؛ لتعزيز نموها وتطورها، واستدامة برامجها.

هكذا يجب أن نتحدَّث عن هذا الصرح العلمي الرائع، أما أن نحشر في ثنايا الحديث رسائل لا طائل وراءها تنتقص من شركتنا العملاقة، أرامكو، فأمر لا أستسيغه؛ إذ ستبقى الجامعة صرحًا أكاديميًّا متميزًا بالمقاييس الوطنية والعالمية، وستبقى أرامكو جبلًا يتعذر على الريح أن تهزه!!