عبدالله الغنام

abdullaghannam@

دائما يأتي العطاء في مقدمة الأسباب التي تجلب الراحة النفسية، وهو وجه من أوجه السعادة. والعطاء له أشكال متعددة من مال أو جهد أو وقت أو قلم أو فكرة إلى غيرها من الوسائل حيث إن الغاية هي بذل شيء للآخرين، بل قد يشمل العطاء للحيوانات والبيئة والطبيعة. نحن نتحدث هنا عن العمل الخيري أو العمل التطوعي، وهو يأتي طوعا لا قسرا، ويأتي عن نفس مليئة بالخير والعطاء، ونفس تسمو عن الأنانية فتعلو عن الماديات لترتقي في السلم الحضاري والإنساني.

نتذكر هذا الموضوع لأن (5) من شهر سبتمبر الحالي هو «اليوم الدولي للعمل الخيري» والسبب وراء اختياره أنه اليوم الذي توفيت فيه الأم تيريزا، والتي حصلت على جائزة نوبل للسلام في عام (1979م) وذلك بسبب أعمالها في مجال العمل الخيري العالمي.

وذكرت هيئة الأمم عن هذا اليوم: «أدركت الأمم المتحدة باعتمادها جدول أعمال التنمية (2030) في أيلول/سبتمبر (2015) أن القضاء على الفقر بجميع صوره وأشكاله وأبعاده، بما في ذلك الفقر المدقع هو تحد عالمي هائل ومتطلب لا غنى عنه في تحقيق التنمية المستدامة».

ونحن نعلم حتما أن الإسلام جاء بعدة حلول للتخفيف من وطأة ما يسمى الفقر المطلق أو المدقع (حالة الحرمان الشديد من الحاجيات الإنسانية الأساسية) في عدة صور منها الزكاة التي تعتبر ركنا من أركان الإسلام، ومنها الحث على البذل والصدقة بأنواعها المختلفة، وكذلك بعض الكفارات التي قد يجزئ فيها دفع المال ككفارة اليمين مثلا، كل ذلك من أجل ألا يحتكر المال لدى فئات من الناس، وقد قال سبحانه وتعالى: «كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم» لأن احتكار المال في طبقة معينة من المجتمع مدعاة لانتشار الطبقة الفقيرة المعدمة وتفشي الفقر المدقع، بالإضافة إلى تضاؤل وضعف الطبقة الوسطى ماديا. وهنا تظهر الطبقية المقيتة في المجتمع، ولذلك جعل الإسلام الزكاة واجبا وركنا، وندب ورغب في الصدقات للمحافظة على التوازن المالي في المجتمع. لأن الفقر المدقع يؤدي إلى تفشي الجهل والمرض بل وحتى الجريمة وغيرها من الأزمات الإنسانية المضرة والقاسية لأي مجتمع كان.

وعودا على صلب الموضوع وهو العمل الخيري، والذي هو عمل إنساني تتجلى فيه صور التكاتف المجتمعي. وننوه أن المسالة ليست أدوارا فردية فقط! بل المؤسسات والشركات الخاصة لها دور فعال وحيوي لجعل المشاريع مستدامة ومتنوعة (مستشفيات، مدارس، جامعات، مساكن وغيرها) وتحت رعاية رسمية وموثقة حتى يذهب الخير إلى الجهات الصحيحة، ويصل إلى الطبقة المحتاجة فعلا.

وهنا أيضا يأتي دور الوعي من الأفراد في التأكد من أن ما يقومون به من جهد أو مال أو وقت يكون تحت المظلات الرسمية. فمن المؤكد أننا لا نريد أن يذهب هذا العمل الجليل في الاتجاه الخاطئ الذي قد يكون ضرره أكثر من نفعه.

العمل الخيري هو صورة من العطاء الإنساني، والذي هو أصلا موجود في فطرة الإنسان عموما (كما يقول الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو عن العودة للفطرة الإنسانية الطيبة) ولكنه يحتاج إلى تذكير من حين إلى آخر بدور كل واحد منا أن يبذل ما يستطيع حيث تتعدد الصور والوسائل، ولكن يبقى المقصد هو بذل الخير، وقد يكون الدافع دينيا أو وطنيا أو إنسانيا أو مجتمعيا، وقد يكون بها جميع ذلك، فليس هناك تعارض في ذلك، المهم أن نقدم شيئا، وحتما سنشعر بنوع من الراحة والطمأنينة، فقد قلنا إن العمل الخيري سيظل دائما بابا من أبواب السعادة والراحة النفسية والمعنوية.

العمل الخيري هو نسيان الذات (أنا) من أجل (الكل).