عبدالعزيز العمري، آمنة خزعل - الرياض، الدمام

«اليوم» ترصد آراء المتقاعدات حول الأسباب والحلول المتاحة للحد من الظاهرة (1 - 3)

يعد الطلاق قضية رئيسية بعد التقاعد، التي تعتبر من أخطر المراحل التي تمر على حياة الإنسان بشكل عام، والتي يجب أن يكون هناك تأهيل نفسي واستعداد لاستقبالها من الشريكين حتى لا يحدث طلاق نتيجة التغيرات في الحياة اليومية والابتعاد عن العمل، واستغلال الفراغ في أمور تبني لا تهدم.وأوضحت متقاعدات لـ «اليوم» أن ارتفاع نسبة الطلاق بين المتقاعدين يعود لتغير الظروف الاقتصادية وانخفاض الدخل وتدني الحالة الصحية، بالإضافة إلى ما يصاحب التقاعد من أزمات نفسية واكتئاب عند البعض، الذي ينعكس بدوره على جو الأسرة ومستوى سعادتها وانسجامها، هو ما يتطلب الدعم الأسري والحماية المجتمعية واستثمار الخبرات التي تراكمت عبر سنوات العمل.

تحمل الأهل الانفعالات المؤقتة

ذكرت المتقاعدة زهية مغربي، أن مرحلة التقاعد من أهم المراحل في حياة الإنسان، التي تكون فيها تغيرات جذرية بعد سنوات طويلة تمتد لأكثر من ثلاثة عقود من العمل والروتين اليومي، وهنا يكون التعامل من الأسرة للمتقاعد مختلفا خصوصا في السنوات الأولى، التي يكون فيها الفراغ والعزلة، وذلك بإشراك رب الأسرة في الأنشطة اليومية والجلوس معه لأوقات طويلة، خصوصا في الساعات التي كان يتواجد فيها في عمله، وعدم الانزعاج من تصرفاته مهما كانت للحفاظ على وضع الأسرة بشكل عام.

وأضافت مغربي: يجب على كافة أفراد الأسرة بمَن فيها الزوجة دعم ولي الأمر المتقاعد وتقبله بكل ما فيه، والتأكيد على أن كل الانفعالات اليومية مؤقتة وتزول مع الأيام والتعود عليها وعلى الحياة الجديدة، للعبور بالأسرة إلى بر الأمان، مشيرة إلى أن حالات الطلاق بين المتقاعدين منتشرة لعدم تفهم الشريكين لبعض ولأوضاعهما ومتطلباتهما الجديدة بعد التقاعد.

قالت المتقاعدة نجاة عطالله: أهم أسباب تزايد حالات الطلاق بالمملكة، تتمثل في شكوى الأسر وتكمن في عدم وجود أماكن لقضاء وقت المتقاعد أو المتقاعدة مثل النوادي الصحية والثقافية لتبادل الأحاديث والتواصل الاجتماعي، مع أهمية إلزام شركات النقل والسياحة بعمل رحلات داخلية وحدودية برسوم رمزية حسب دخل الفرد، مع أهمية إقامة محاضرات مكثفة تشمل الجانب الاجتماعي والنفسي للتعامل مع الوضع الجديد للمتقاعد في كافة الجهات الحكومية والأهلية.

برامج تأهيلية لاستثمار الخبرات

أشارت المدربة والمستشارة المتقاعدة د. نجاة عقاب، إلى أن ارتفاع حالات الطلاق في فئة المتقاعدين أصبحت ظاهرة ملحة تحتاج إلى دراسة وملاحظة من ذوي الاختصاص لا سيما في ظل المتغيرات الاجتماعية والمعيشية والصحية في مرحلة التقاعد الأخيرة وما يتعرض له المتقاعد من تعثر في علاقاته الأسرية والمجتمعية، ولعل أسباب ارتفاع حالات الطلاق في فئة المتقاعدين تعود إلى كل من الزوجين المتقاعدين أو أحدهما كمتقاعد متفرغ بدون عمل أو بدون اهتمامات تشغل وقته فيصبح راصدا للآخر حركاته وسكناته وتحركاته فليس هناك ما يجعله مشغولا في وقته واهتماماته والآخر يضيق ذرعا بهذا وهنا تحدث المشكلة ثم الطلاق، إضافة إلى أن انخفاض معدل الصبر وقوة التحمل لمصاعب الحياة ومتغيراتها يزيد من التحسس بشكل أكبر، خاصة حين يجد المتقاعد نفسه وحيدا في مواجهة ذلك.

وأضافت إن قسوة العلاقات الاجتماعية من حيث اهتمام الآخرين ورعايتهم خاصة الزوجة والأبناء بالمتقاعد والاستخفاف به يجعله رافضا لذلك ويفضل الانسحاب حينها، والوحدة والانعزال من أحد الزوجين بعد التقاعد يجعل الآخر يشعر بالإهمال وبعدم الرغبة فيه أو إكمال المسيرة معه فيحصل الانفصال وبعدها الطلاق، والانفتاح على الآخر وفي التواصل الاجتماعي وجود المتغيرات الاجتماعية أثر على كيان الأسرة وترابطها، خاصة في مرحلة التقاعد في ظل رغبة أحد الزوجين مواصلة الحياة بانطلاقة سريعة ورفض الآخر.

وأوضحت أن من الحلول لتجاوز هذه المرحلة تكثيف الوعي بأهمية مرحلة التقاعد وتأثيراتها وحاجة المتقاعد أو المتقاعدة إلى استيعاب هذه المرحلة وخصائصها ومتغيراتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وأن يتم التأهيل للمتقاعد أو المتقاعدة قبل التقاعد أي أن تكون هناك برامج تأهيلية لمَن هم على وشك التقاعد حتى لا يعيش المتقاعد صدمة التقاعد وما يتزامن مع هذه المرحلة من استقرار وانفصال الأبناء في حياتهم الخاصة بعيدا عن الأسرة وعودة الزوجين إلى ما كانوا عليه في بداية تكوين هذه الأسرة، وأهمية تخطيط المتقاعد لهذه المرحلة قبل تمتعه بالتقاعد، خاصة فيما يخص الوضع الاقتصادي والمالي للأسرة، وأن تعمل قنوات المجتمع المدني والحكومي على استثمار خبرات المتقاعد أو المتقاعدة إما من خلال جهات أعمالهم السابقة أو غيرها، فالمتقاعد كنز وخبرات تراكمية تكون مهدرة إن لم يتم استثمارها.

الفراغ يدفع لممارسات غير حكيمة

قالت الأكاديمية المتقاعدة د. عبلة مرشد: «الطلاق ظاهرة اجتماعية موجودة في كل المجتمعات وترتبط زيادتها أو نقصانها وتوازنها مع الظروف المجتمعية المختلفة، ولكن بصفة عامة والذي لا يمكن إنكاره أن التعليم وعمل المرأة وتمكنها من إدارة أمورها المالية واستقلالها اقتصاديا ساهم في رفع نسبة الطلاق بصفة عامة في المجتمعات، مبينة أن الطلاق يفكك الأسرة ويسهم في تولد كثير من المشكلات الأسرية التي لا نتمنى وجودها لكن أحيانا كثيرة يكون مطلبا وحلا أفضل للحالة ولذلك شرعه الخالق لعلمه بالحاجة إليه».

وأضافت: ارتفاع نسبة الطلاق بين المتقاعدين، يرجع لعدد من الأسباب، أولها تغير الظروف الاقتصادية وانخفاض الدخل الذي سيؤثر على كثير من نمط الحياة المعيشية التي كانوا يعيشونها، والتغيير أحيانا يكون قاسيا في تلك المرحلة العمرية المتقدمة والتي يتزامن معها تأخر نسبي في الحالة الصحية بالإضافة إلى ما يصاحب التقاعد من أزمات نفسية واكتئاب عند البعض والذي ينعكس بدوره على جو الأسرة ومستوى سعادتها وانسجامها مع الحالة المعيشية المستجدة، ومن جانب آخر فإن التقاعد يعني للكثير من المتقاعدين عدم وجود عمل نظامي بمعنى الجلوس في البيت بدلا من التواجد خارجه، وذلك يزيد من فرص الاحتكاك بين الزوجين أكثر من السابق وقد يكون في أمور سخيفة أو سطحية لا تستحق ما يحدث حولها من مشاجرات ولكن الفراغ قاتل ويدفع إلى ممارسات خاطئة وغير حكيمة، فيكون سببا في حدوث طلاق.

وأكملت: وفي حالات أخرى حقيقة تكون الحياة مليئة بالمشاكل والتعقيدات منذ بدايتها ولكن يصبر الطرفان أو أحدهما حتى يكبر أولادهما ويستطيعون الاعتماد نسبيا على أنفسهم في توفير متطلباتهم اليومية، ثم يأخذان قرار الطلاق بعد أن صبرا أو صبر أحدهما لسنوات، فيجد أن حالته الصحية والنفسية أصبحت مجهدة ولا تتحمل المزيد من الضغوط، فيكون الطلاق هو الحل المتاح، والحلول تكون في الانشغال بأمور مختلفة لكلا الطرفين ونشاطات اجتماعية وصحية تقلل من ساعات تواجدهما معا، التي فيها تحدث الاصطدامات، ولا بد أن يتفق الطرفان على أهميتها لاستمرار الحياة بينهما، وتساهم السياسات الاجتماعية الخاصة بمنح المتقاعدين مزيدا من الفرص والخصومات والتسهيلات في الحياة الاجتماعية العامة في تقليل نسبة الطلاق، كما أن للأهل المحيطين والأبناء دورا في المقاربة بين الطرفين، ووجود مرشدين اجتماعيين ونفسيين من السهولة الوصول إليهم وبأسعار رمزية أو مجانية تتحملها الجهات المسؤولة عن السياسات الاجتماعية والأمن الأسري ستسهم في تقليل تلك النسب بالتوعية والترشيد والمقاربة بين الطرفين.

التقصير المتبادل يعجل الانفصال

لفتت المتقاعدة فوزية الغفيلي، إلى أن من أسباب الطلاق بعد التقاعد أن بعض الرجال يستفيدون من أموال التقاعد بالزواج من امرأة ثانية وهو ما يهضم حق زوجته الأولى، وقد يكون سببه عدم التوافق وتقصير الزوجة تجاه زوجها والعكس صحيح، مضيفة إنه يجب أن يكون التعامل مع المتقاعدين كأي موظف قائم بالعمل والاهتمام به وتوفير الخدمات، التي يستحقونها مقابل خدمتهم طوال هذه السنوات في جميع القطاعات الحكومية والقطاع الخاص.

التفرغ للأهل يعزز الأمان

اتفقت المعلمة المتقاعدة أفراح المخلوق، والممرضة المتقاعدة رائدة الشيخ، على أن حياتهما مستقرتان بعد التقاعد، لقيامها على التفاهم سواء بين الأولاد أو الزوج، كما أصبحت أكثر استقرارا لوجود وقت كاف للتفرغ للأولاد والزوج ومنحهم الوقت الأكبر من حياتهما، ما أدى إلى الشعور بالأمان والهدوء والراحة والطمأنينة.

السعي لإصلاح العلاقة

أشارت المتقاعدة نجلاء الدحيمي، إلى أن حياتها من بعد التقاعد اختلفت تماما، حيث بدأت بانفصالها عن زوجها بعد زواج دام أكثر من ١٧ سنة، وكان أبرز الأسباب هو لجوء زوجها بعد تقاعدها إلى عمله البعيد. وبيّنت أنه كان أهم أهدافها بعد التقاعد الاستقرار كباقي المتقاعدات. وقالت: بعد تقاعدي بثلاثة أشهر قرر طليقي الرجوع إلى مقر عمله، وبدأت تتفكك حياتي الزوجية وحاولنا إصلاح العلاقة بعد الطلاق وإلى الآن نحاول أن ترجع علاقتنا الزوجية بعد ما تأثرت من بعد التقاعد ولعل ذلك يجدي نفعا.

التركيز على تربية الأبناء

أوضحت ندى آل خزعل، أن التقاعد فتح لها آفاقا جديدة وبدأت تعمل على نفسها، وتفتح مشروعا خاصا هي وزوجها. وبيّنت أن التقاعد قربها لعائلتها أكثر وجعلها تعلم أن العمل كان يأخذ منها حياتها الاجتماعية والعائلية والزوجية وأن بعد التقاعد ركزت في حياتها وعائلتها وأطفالها وحتى أصبحت أكثر تركيزا على تربية الأطفال وعلى دراستهم.