عبدالكريم الفالح

••• قال لي سائق الأموات العربي في المركز الإسلامي بسان دييغو: إنه اشترى راحته بالتعامل مع الأموات، فهم عندما ينقلهم من ثلاجة المستشفى إلى المقبرة لا يشكون ولا يبكون ولا يصرخون ولا يثرثرون كالأحياء.

••• يقول إنه كان سائقا للأحياء فتعب كثيرا لتعاملهم معه، فهم لا يراعون حالته، وأحيانا لا يصمتون أبدا حتى يرتاح من كلماتهم المكررة.

يجلبون مشكلاتهم معهم... ومشكلات غيرهم... يفضحون أزواجهم أو زوجاتهم. مالي أنا ومال كل تلك الضجة.

الموتى مسالمون هادئون ومساكين لا يفضحون ولا يجلبون المشكلات معهم ليزعجوا بها مَن حولهم.

••• الصمت مطبق... الثرثرة خامدة، والموت طاغ في كل لحظة ومكان.

لا يحتجون على شيء... لا يتذمرون ولا يشكون.

يقول إنه لو كان يعرف كل هذا لذهب إلى (الموت) منذ زمن بعيد.

الفرق بين نقل الأحياء والأموات كبير جدا لا يمكن حصره والإلمام به.

••• الموتى أحياء في مخيلته والأحياء موتى هناك. الموتى أحباء والأحياء يجلبون الضيق والزهق.

حياة مع الموت، وموت في الحياة!!

يقول إنه سيستمر مع الموتى... لن يتخلى عنهم ليذهب حيث الحياة المتعبة.

لا أحد يريد الموت لكنه يبتغيه بعد الراحة، التي أحس بها في نقل الموتى، والمضايقات السابقة من الأحياء!!

••• الحزن يضايقه (أحيانا) في نقل الموتى، يهجم عليه فجأة، وبخاصة إذا كان الميت قريبا منه أو صديقا مقربا، حيث تقتحم الذكريات المكان، ويصبح للموت شكل آخر، لكنه اعتاد قليلا على الموت والحزن ورائحة الموت!!

وهو يتعجب حاليا كيف أصبح الموت صديقه بعد أن كان لا يطيقه أبدا... كيف تمكن منه الموت بعد أن كان يمقته.

لقد تلقى درسا فلسفيا من الموت وهو أنه إذا كنت تريد اعتياد شيء ما التصق به كثيرا حتى لو كان السيد الموت!!

••• يلفه الموت من كل مكان وعندما اعتاد عليه... أحبه لصمته وراحته.

الصمت مرافق للموت، وهذا ما حببه فيه... السكون في مواجهة الموت يبعث السكينة والهدوء.

أنا حي مع الموت. ميت مع الأحياء، ولا سبيل للعودة إليهم.

••• نهاية

مع الموت... حياة حتى الموت!