صالح شيحة

نحتاج لمعرفة ما انتهى إليه الآخرون، وذلك لنبدأ به، بدلا من أن نقوم بإهدار أوقاتنا وجهودنا ونحن في غنى عن ذلك.

لا أقصد بالآخرين هنا، من هم معنا على نفس البلد، بل أقصد بهم، جميع سكان الأرض، في جميع دول العالم.

إذا أردنا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون، فلا سبيل أمامنا غير (المترجمين وليس الترجمة).

نعم، المترجمين وليس الترجمة، المترجمين الذين احترفوا هذه المهنة، وليس الترجمة التي يقوم بها أي شخص.

أقول ذلك، لأن الأمر يترتب عليه الكثير من الفوائد حينما تكون الترجمة صحيحة، وكذلك يترتب عليه الكثير من المخاطر حينما تكون الترجمة -لن أقول خاطئة- ولكن لم تنقل ما قصده المتحدث باللغة المترجمة عنها بطريقة صحيحة.

فغير المتخصص في مهنة الترجمة، يقوم في كثير من الأحيان بما يسمى «الترجمة الحرفية» والتي يعتريها بعض الأخطاء والتي تؤثر في حياتنا.

لقد تسببت الترجمة الخاطئة أثناء أزمة كورونا في زيادة الأمر سوءا.

لقد تسببت ترجمة غير دقيقة في حالة من الهلع والفزع في إيطاليا، حينما جاء في تقرير مترجم في صحيفة تشيلسية عن إصابات الكورونا وعن قرار إقامة المباريات بدون جمهور: «إنتر ميلان ألكسيس سانشاز تضرر كثيرا من فيروس كورونا» وكان المقصود أن فريق الإنتر ميلان سيتضرر من لعب المباريات بدون جمهور، ولكن أحد المغردين على تويتر، ترجم الخبر على أن اللاعب (ألكسيس سانشاز) هو من أصيب بالوباء.

وترجمة خاطئة أخرى لمقطع فيديو للمستشارة الألمانية «أنجلينا ميركل» حول مكافحة الكورونا، والذي تمت ترجمته في مواقع التواصل الاجتماعي بأنها قالت: إنه تم اكتشاف لقاح جديد ضد فيروس كورونا، تم تطويره على يد طبيب تونسي، وقامت الصحف والمواقع الألمانية بنفي هذا الخبر معلقين أن هذه الترجمة مغلوطة ومضللة.

هذا في مجال الإعلام، ولكن الأسوأ من ذلك، حينما تكون الترجمة خاطئة في مجال البحث العلمي، ويعتمد الباحث على معلومة مضللة تتسبب في نتائج خاطئة ومضرة.

يقوم المترجمون بجهود غير عادية، وذلك للقيام بأدوارهم بطريقة صحيحة، فالأمر ليس بالسهل كي يتصدى له الجميع.

يقال إن الشاعر الأمريكي «بيارد تيلر» المعروف بترجمته أحد أعمال الشاعر الألماني «غوته» والمعروف باسم (فاوست)، قبل البدء في هذه الترجمة، قام بدراسة الأساطير الإغريقية والتعمق فيها، ودرس بعض النظريات الجغرافية التي يشير إليها النص الأصلي، بالإضافة إلى دراسة كل ما وصل إلى يديه من نسخ محققة وناقدة للنص الصادرة حوله في مختلف أرجاء العالم.

وكذلك المترجم العربي الكبير «منير البعلبكي» صاحب موسوعة المورد، لقد اعتكف في منزله أربعة عشر عاما من أجل أن يقدم لنا هذه الموسوعة، تقوم زوجته بجميع الواجبات الاجتماعية وغير الاجتماعية نيابة عنه.

يوجد في ألمانيا، مؤسسات متخصصة في ترجمة المواد العلمية الحديثة ومتابعتها عالميا في الآداب والعلوم.

لا أحلم بمؤسسات متخصصة لترجمة المواد العلمية الحديثة كما يحدث في ألمانيا، ولكن أحلم بمدينة للترجمة، بها شوارع لجميع اللغات، تقوم بمتابعة كل ما هو جديد في العلم وتوفيره بطريقة صحيحة للباحثين العرب.

يقولون إن خطأ واحدا في الترجمة قد يؤدي إلى كارثة تحتاج إلى وقت طويل لإزالة آثارها.

فخطأ في ترجمة كلمة قالها رئيس الوزراء الياباني وهي كلمة «موكوساتسو» تسببت في قتل حوالي 170 ألف شخص في هيروشيما وناغازاكى.