سامي الجاسم

عندما كنت أتسوق في محل لبيع الحلويات شاهدت ذلك الرجل المقتدر والذي كان يحقق نجاحا تجاريا مبهرا ولافتا، فقد كان متغير الحال والملامح والهندام وكأنه خسر كل ما يملك، وأصبح يتكسب من خلال بعض الأعمال البسيطة التي تسد رمق عيشه اليومي ويتعامل فيها مع تلك المحلات بالبيع والشراء.

وبحكم العلاقة الجيدة التي كانت تربطني به سألته عن سبب تغير الحال وهو الذي كان ينفق بسخاء مبالغ فيه وكان يطمح أن ينافس كبار رجال الأعمال؟

فكانت ملامح الانكسار أولى مقدمات الإجابة حيث أكد لي وهو يتحدث بحسرة وندم أنه وصل لمرحلة من تملك المال وزيادة النعمة أنه أيقن معها أن هذا المال سيبقى معه حتى الموت ولن ينتهي أو يفقد أو يضيع، فكرس جهده وحياته من أجل الاستمتاع بلحظات الغنى والثراء وكثرة المال وأن هذا الاستمتاع يجب أن يكون فوريا ومصحوبا بكل مواقف التعالي والعنجهية والغرور وحب الذات والغرق في الشهوات دون خطط تجعل هذا المال ينمو ويستمر فالمهم هو الصرف والإنفاق ولا تهم التبعات طالما الأغلبية معي يمنحونني ما يوهمني أنني السيد المطاع.

تمكنت منه نشوة اللحظات الحالمة وبريق لمعان المال وتجمع أصحاب المصالح والنزوات والصداقات المؤقتة حوله فجعلته منهمكا في الاستمتاع متجاهلا كل صيحات التحذير من حتمية

النهاية المؤلمة المفجعة لكنه تجاهلها حتى تحققت فكانت توابعها قاسية عليه فقد خسر كل ماله فكل ما جاء دون عناء وتعب وبذل ذهب وكأنه لم يأت، وكل توهم واعتقاد أن أصحاب الملايين والثروات قد تحقق لهم هذا الجاه والغنى بسهولة كان وهما فهؤلاء قد قدموا أجمل أيامهم وعطاء أيامهم من أجل أن يكونوا أصحاب أموال وبذلوا الكثير من أجل المحافظة عليه وتحقيق الاتزان المنطقي في شخصياتهم وسلوكهم ومواقفهم وتعاملهم، فالمال يبهر ويشقي كل من لا يعرف أن يقدر قيمته أو يتعامل معه.

هذا الصديق عينة من مجموعة من الأشخاص التقيهم في محيط علاقاتي في الحياة والعمل اعتقدوا أنهم بمجموعة من المشاريع السريعة والثراء المؤقت ملكوا الدنيا وما فيها وأصبحوا فجأة أغنياء زمانهم دون منازع لهم أو مثيل فكان الإسراف والتفريط والتبذير واللامبالاة الأسباب التي أدت لسقوطهم المخزي وخسارتهم المهينة والذي دفع ثمنه أيضا أسرهم وأبناؤهم الذين عانوا من تبعات الخسارة.

القيمة ليست بما تملك من مال بل بما معك من الفكر الذي ينمي ما تملكه ويجعلك مؤهلا لإدارة السلوك والنمط والفعل والتصرف الذي يجعلك تدير مالك بحنكة وحكمة، وتتعامل بقدرة فائقة مع المستجدات بحياتك وكأنها اعتيادية وليست حدثا مستجدا تريد أن تتأقلم معه.

سألت رجل أعمال أعرف قصة كفاحه وهي قصة كفاح تستحق ذكرها وسردها في كتاب لكنه اختصرها في مقولة حكيمة، (لقد نجحنا عندما كان لدينا يقين مطلق أننا مهما حققنا من نجاحات وملكنا من ثروات، فلا يجب أن نجعل ذلك ينسينا أننا كنا لا نملك شيئا، لذلك يجب أن تقدر ما تملكه وتحافظ عليه وأن تسهم بكل ما يطرح فيه البركة والخير دون أن تجحد فضل الله عليك).

وهذه النصيحة يجب أن تكون قاعدة حياة لنا نقدر ما نملك ونتمسك به وألا يأخذنا الغرور والتعالي بما معنا فكل شيء لا نتعهده بالشكر والرعاية والاهتمام لا يدوم.

حساب تويتر samialjasim1@