ترجمة: إسلام فرج

سيطرة عدد قليل من العائلات على الثروة والسلطة السياسية جعلت البلد في حلقة مفرغة

أكد موقع «مجلس العلاقات الخارجية» الأمريكي أن انهيار سريلانكا يجب أن يكون جرس إنذار للدول التي تحكمها ديمقراطيات عائلية في جنوب آسيا.

وبحسب مقال لـ «أنو أنور»، الزميل البارز في مركز هارفارد آسيا، يلقي البعض باللوم في الانهيار الذي شهدته سريلانكا على القوى الخارجية مثل الديون والعوامل الجيوسياسية، بينما يشير آخرون إلى عوامل داخلية مثل سوء إدارة الحكومة وعدم الكفاءة.

وأردف: تقلل هذه التحليلات من أهمية أحد العوامل الأساسية الكامنة وراء هذه الكارثة وهو «الحكم العائلي»، حيث تهيمن عائلة أو عدة عائلات على نظام الحكم، وتمتلك فيه بشكل مستمر كل القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية للدولة.

ومضى يقول: تصبح القرابة العائلية المعيار الوحيد للتقدم إلى قمة التسلسل الهرمي الاجتماعي والسياسي.

وتابع: في سريلانكا، سيطر لعقود عدد قليل من العائلات على الثروة والسلطة السياسية. وخلق هذا التقليد حلقة مفرغة تخدم فيها الأحزاب السياسية وجميع المؤسسات العاملة الأخرى في المقام الأول مصلحة هذه العائلات وليس الدولة. وأصبحت الانتخابات عملية نقل السلطة من عائلة إلى أخرى.

عائلة راجاباكسا

واستطرد: كانت عائلة راجاباكسا، التي خرجت من الأزمة، هي آخر عائلة تولت السلطة. امتد نظام عائلة راجاباكسا لما يقرب من 15 عاما من عام 2005 إلى عام 2022، وانقطعت هذه السيطرة لفترة وجيزة من عام 2015 إلى عام 2019.

وأردف: وصلت العائلة إلى السلطة لأول مرة في عام 2005 عندما فاز ماهيندا راجاباكسا بالرئاسة من خلال إظهار نفسه على أنه رجل عادي من الريف الجنوبي، في تناقض صارخ مع النخبة السياسية ذات الطابع الغربي التي هيمنت على كولومبو.

وأضاف: بعد فترة وجيزة من فوزه بالرئاسة، اكتسب ماهيندا راجاباكسا شعبية من خلال القضاء على جماعة التاميل الانفصالية المتشددة «نمور تحرير تاميل إيلام»، مما أدى فعليا إلى إنهاء الحرب الأهلية السريلانكية في عام 2009 بعد ما يقرب من 30 عامًا من الصراع.

واستطرد: ومع أهمية القضية للأغلبية السنهالية، أدت نهاية الحرب إلى زيادة شعبية عائلة راجاباكسا لكنها استنزفت الاقتصاد السريلانكي.

وتابع: على سبيل المثال، انسحب المستثمرون الغربيون من التزاماتهم بالاستثمار في صناعات الملابس والتكنولوجيا السريلانكية. مع فقدان هؤلاء المستثمرين التقليديين، تحول نظام راجاباكسا إلى الصين كملاذ أخير، مفضلًا القروض الميسرة الصينية للسياحة والبنية التحتية التي أدت إلى تطور سريع، على حساب الاستثمار الغربي في رأس المال البشري وصناعة التكنولوجيا. هذه القروض الميسرة أضرت بدورها بالاقتصاد، لكنها ضمنت ربحًا للعائلة.

ضعف الاقتصاد

وأشار إلى أنه نتيجة لضعف الاقتصاد في سريلانكا، أدركت العائلة أن كسب دعم القوات المسلحة سيكون أمرا حاسما للحفاظ على السلطة في السنوات التي أعقبت نهاية الحرب، مضيفًا: هكذا حفزت حكومة راجاباكسا الجيش من خلال تخصيص حصة غير متناسبة من الإنفاق الحكومي للقوات المسلحة.

وتابع: بحلول عام 2014، كانت حكومة راجاباكسا تخصص 13.51 % من إجمالي إنفاقها للجيش، وهي واحدة من أعلى النسب المئوية في أوقات السلم في العالم.

وأوضح أنه على الرغم من فقدانها السلطة في عام 2015 أمام الرئيس مايثيريبالا سيريسينا، الذي جاء أيضا من إحدى العائلات المهيمنة، استعادت عائلة راجاباكسا الرئاسة بعد أن قصف الإرهابيون 3 كنائس في عام 2019.

وأضاف: في ردهم على هذه التفجيرات، صورت العائلة نفسها بنجاح على أنهم قادة أقوياء قادرون على القيام بذلك.

وأردف: بمجرد استعادة السلطة، قامت عائلة راجاباكسا بتعيين العديد من أفراد الأسرة في مناصب حكومية حاسمة دون تبرير أوراق اعتمادهم. وفي وقت من الأوقات، شغل أكثر من 40 من أفراد عائلة راجاباكسا مناصب حكومية عليا، بما في ذلك الرئاسة ورئاسة الوزراء وعدد من المناصب الوزارية الرئيسية.

ولفت إلى أن طريقة عائلة راجاباكسا في تجميع الثروة والسلطة حوَّلت البلاد إلى شركة عائلية تقريبا.

وتابع: كدولة نامية، كان يجب على سريلانكا إعطاء الأولوية للاستثمار في رأس المال البشري والصناعات الثقيلة. لكن بدلا من ذلك، ومن أجل الحفاظ على السلطة أعطى الأخوان ماهيندا وغوتابايا راجاباكسا الأولوية لمبادرات الإصلاح السريع قصيرة الأجل وتجاهل التخطيط الإستراتيجي طويل الأجل.

القروض الصينية

ومضى يقول: ركز الأخوان طاقتهما على بناء بنية تحتية مادية مرئية مثل الموانئ والمدن بهدف تحقيق الربح في مسقط رأسهم، وداعميهم السياسيين الأساسيين، وشركاتهم العائلية، التي عادة ما يشار إليها على أنها سبب لإفلاس سريلانكا.

ولفت إلى أن الأخوين استخدما قروضًا مفرطة من مصادر خارجية لتمويل هذه المشاريع الضخمة الفاشلة، بما في ذلك ميناء هامبانتوتا، الذي تم تمويله بشكل أساسي من خلال القروض الصينية.

وتابع: تم إنشاء الميناء بقروض خارجية تم الحصول عليها بأسعار فائدة عالية، وفشل الميناء في تحقيق إيرادات كافية للوفاء بالتزامات ديونه.

واستطرد: علاوة على ذلك، ولدت المحسوبية عدم الكفاءة في الحكومة السريلانكية. واتخذ الوزراء، المعينون على أساس الروابط الأسرية بدلا من الجدارة، العديد من القرارات السيئة، أحدها أدى إلى أزمة الأسمدة للمزارعين وتسبب في نهاية المطاف في نقص الغذاء هذا العام.

وأشار إلى أن كولومبو اضطرت إلى استخدام جزء كبير من احتياطياتها الأجنبية لمعالجة أزمات الوقود ونقص الغذاء والسلع الأساسية.

ومضى يقول: بالتالي فإن الأزمة الاقتصادية الحالية في سريلانكا هي جرس إنذار لجميع الدول في جنوب آسيا.

اتجاهات مماثلة

ونوه إلى أن هناك دولتين على وجه الخصوص، هما بنجلاديش وباكستان، لديهما اتجاهات مماثلة للديمقراطية العائلية، بينما لا تزال الهند تصارع الآثار اللاحقة لسياسات «الحكم العائلي».

وأردف: تتمتع بنجلاديش بإمكانيات كبيرة لتصبح دولة مزدهرة. ومع ذلك، فإن الصراع على السلطة المستمر منذ عقود بين عائلتين أعاق البلاد عن الوصول إلى وضع الدولة ذات الدخل المتوسط. مثل عائلة راجاباكسا في سريلانكا، جعلت عائلتا الشيخة حسينة وخالدة ضياء حزبي رابطة بنجلاديش عوامي والحزب الوطني البنجلاديشي، ممتلكات عائلية شخصية. وأضاف: في الواقع، أحد العناصر الحاسمة لشعبية مودي هو أنه ارتقى إلى أعلى منصب في البلاد دون صلات عائلية. ومع ذلك، لا تزال قبضة سلالة غاندي على حزب المؤتمر لها تأثيرات، فالوريث الظاهر اليوم هو راهول غاندي، حفيد جواهر لال نهرو العظيم، الذي لا يحظى بشعبية، حيث أعاقت هيمنته على الحزب صعود شخصية معارضة هندية قابلة للحياة والتي يمكن أن تقف كبديل للقومي الهندوسي مودي.

واختتم بقوله: باختصار، «الحكم العائلي» هو نمط شائع في جميع أنحاء جنوب آسيا، والشعب السريلانكي يدفع ثمنه الباهظ. الآن هو الوقت المناسب لدول جنوب آسيا الأخرى للتعلم من الأزمة السريلانكية وعكس مسارها وإلا فسوف تواجه كارثة مماثلة.