عبدالله الغنام

abdullaghannam@

لستُ أعلم إن كان الوقت مبكرًا لطرح هذا الموضوع، ولكنني أعتقد أنه يشغل بال الكثيرين من طلاب الثالث الثانوي وطلاب السنة الأولى الجامعية، ولذلك عزمتُ في هذا المقال على أن نتسامر الحديث عنه قبل بداية العام الدراسي الجديد، لعله يخفف عنهم شيئًا من عبء الحيرة وضغط التفكير.

وسوف أحاول جهدي البُعد عن التنظير (والفلسفة الزائدة)؛ لأجعل المسألة بسيطة وسهلة من خلال عرض تجربتي، ثم أذكر بعضًا من النقاط على عجل، لعلها (إن شاء الله) تسهّل عليكم اختيار ما هو مناسب لكم.

في سن مبكرة من عمري (المرحلة المتوسطة) كنتُ أعتقد أني سوف أصبح مهندسًا كهربائيًّا (أو هندسة إلكترونية). وعندما دخلت الجامعة كنتُ ما زلتُ محتفظًا بتلك الصورة الحالمة حتى جاءت السنة الثانية الجامعية (الفصل الأول)، وحدث ما لم يكن في الحسبان. ففي المادة الرقمية (Digital) لم أكن موفقًا أبدًا في تجارب المختبر! أضف إلى ذلك أنه لم تستهوِني المادة الأولى والأساسية في التخصص (الهندسة الكهربائية)، وأيضًا لم يكن الجزء العملي (المعمل) ممتعًا، بل كنت أجد صعوبة في التعامل مع الأجهزة لأخذ القراءات والقياسات، ومن هنا عرفتُ يقينًا أنه ليس مجالي ولا ميولي، وأنها كانت مجرد صورة وردية لذلك الطفل في المتوسط! فتداركت الأمر، وقمتُ بتغيير التخصص إلى الهندسة الميكانيكية التي وجدتها أفضل وأمتع، وكانت أسهل بالنسبة لي من ناحية الفهم ودراسة للمواد التخصصية. والحمد لله أنني لم أفقد عدد ساعات دراسية، ولا طالت مدة السنوات الجامعية بسبب تغيير التخصص.

وبناءً على ما ذكرت، أريد أن أوضح بعضًا من النقاط الهامة منها، أن هناك وقتًا كافيًا لك لاختيار التخصص، فلا تقلق ولا تستعجل، ولديك أكثر من سنة من أجل الدخول العميق والتبحر في التخصص الذي يناسبك. بالإضافة إلى أنك في البداية ستكون قد اخترت المواد المشتركة في التخصصات المختلفة حتى تعرف ماذا تريد، وأي تخصص تميل إليه.

ولابد من الإشارة إلى أن ساعات المعمل أو المختبر تقدم لك خدمة مجانية لتعرف ميولك عند التعامل مع الآلات أو الأجهزة أو التجارب المخبرية، فحين تجد صعوبة في تلك النواحي، فاعلم أنه ليس المجال الذي يناسبك.

ومن المؤكد أنك تستطيع أن تسأل الذين سبقوك عن التخصص الذي تريد، ولكن لكل شخص منا ميولًا ومتعة في مواد دراسية معينة دون الأخرى، فحتى صديقك المقرَّب في الجامعة لا يلزم أن تكون معه في نفس التخصص! فلا تجعل الآخرين يؤثرون على اختيارك، فقط استأنس بآرائهم من باب العلم بالشيء لا من باب التقليد الأعمى!

ومن الجدير بالملاحظة أنه في عدد من الجامعات لن تبدأ في مرحلة التخصص إلا في السنة الثانية أو الثالثة، ولذلك.. اعتبر هذه المرحلة هي جس نبض، وانظر إلى أي المواد التي تستمتع بها، وتجد نفسك مرتاحًا لدراستها. وانظر أيضًا إلى تلك المواد التي لا تتضايق فيها من الحضور أو تلك التي تنجز الواجبات بسهولة ويُسر (وتردد بينك وبين نفسك ما أسهل هذه المادة أو هذا المنهج). بالإضافة إلى أنك لا تجد صعوبة في شرحها للطلاب الآخرين. كل ما ذكرناه آنفًا هو مؤشرات فعلية وحقيقية لميولك، وأنه توجد لديك موهبة، وهذه المواد والحصص تحرك ذلك الشغف الذي بداخلك.

وعلاوة على ما سبق، هناك نقطة مهمة لا تغفل عنها أبدًا ألا وهي الدعاء والاستخارة بعد وأثناء اختيار التخصص، فلهما طعم وسحر عجيب في الراحة النفسية والمعنوية.

ودائمًا تذكَّر بعد بذل الأسباب، أن اختيار الله لك هو الاختيار الأصح والأنفع، وستعرف ذلك بعد حين.