سالم اليامي

من البرامج التي لا تزال عالقة في الذاكرة لإذاعة الـ بي بي سي العربية من لندن، والتي كنتُ أحد مستمعيها قبل طفرة البث الفضائي المستمر، وقبل طفرة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، برنامج أسبوعي بعنوان «يومٌ في حياة» وفكرة البرنامج جاذبة جدًّا ربما إلى اليوم، حيث تقوم على أن شيئًا من الأشياء الموجودة في الحياة يتحدث عن يوم مرّ عليه ويصفه للسادة المستمعين بطريقة مشوّقة وجذابة، وبأداء تمثيلي إذاعي مُقنع واحترافي.

كنتُ في تلك المرحلة المبكرة أقوم بتسجيل بعض الحلقات، خاصة التي تُبث في فترة المساء، حيث تكون إشارة الإرسال الإذاعية قوية، ويصل الصوت بجودة مقبولة، وبطبيعة الحال، كان كل ذلك يتهم عبر التقاط برامج تلك المحطة الأشهر عبر الموجة القصيّة التي تبدأ عادة عند الساعة الرابعة بتوقيت المملكة، في الحقيقة لم يكن ذلك البرنامج الوحيد الذي أقوم بتسجيله، ولكن ربما كان الأبرز، والأشهر عندي على الأقل لأَنِّي كنتُ أجد متعة كبيرة في إعادة الاستماع إلى الحلقات المسجلة كأنني أستمع إلى أغنية أو مقطوعة موسيقية، كما يفعل البعض، وأزعم اليوم، وبعد هذه السنوات الطويلة، وعندما عُدتُ إلى بعض التسجيلات القديمة والثمينة عندي، رغم ضياع بعضها مع حياة السفر، والتنقل وقلة الاستقرار، وجدت أن تلك الحلقات كانت تدريبًا غير مباشر لملكات الخيال عندي، وربما عند غيري من المستمعين، وبدأتُ أربط الأمور ببعضها في وقت متأخر، عندما تعرَّفتُ على عادةٍ كتابيةٍ رائعةٍ وصعبةٍ في ذات الوقت، وهي عادة التدوين اليومي أو ما يُعرَف بـ الجور لننق بالإنجليزية، وهذه العادة تحتاج للصبر والمثابرة، وشيء يشبه التفصيل في الأمور الصغيرة، وربما الجانبية جدًّا؛ مما يكسب المرء، خصوصًا لو كان كاتب مهارة في تخيُّل التفصيلات، وينعكس ذلك بكل تأكيد على القدرة على رصد التفاصيل الصغيرة التي قد تحدث الفرق أحيانًا بين كتابة إبداعية وأخرى، هذان المساران مسار البرامج الإذاعية الخيالية إلى حد ما، وربطها بعادة التدوين اليومي التي يُطلق عليها في الغرب أنها عادة العظماء، والعظيم الله سبحانه وتعالى، أقول إنَّها مهارات تتراكم عبر الزمن، ويكون من الجيد أن بعض المهارات تتراكم بشكل رأسي أي أن مهارة ترفد وتساعد، وربما تنمّي المهارة التي قبلها، ولا تتعارض معها أو تلغيها، إذا بحثنا في دواخلنا سنجد أننا نتعلم أحيانًا لمجرد أننا أحياء، وسندرك يومًا أو الأغلبية منا أن هناك أيامًا تستحق أن تُروى في حياتنا بتفاصيلها الصغيرة، إما على طريقة البرنامج الإذاعي يوم في الحياة أو على طريقة التدوين للتفاصيل الصغيرة في تلك الحياة.

@salemalyami