د. عبدالوهاب القحطاني

تحليل الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية بين 2007 و2010م وما نتج عنها من انتكاسة وركود للاقتصاد العالمي يشير إلى عودة بعض الحكومات الغربية مثل الحكومة الأمريكية إلى الحمائية والحصحصة بعيدا عن الالتزام باتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي وقعت عليها، حيث رفضت استحواذ أحد المستثمرين الأجانب على أكثر من 5 % في مجموعة سيتي المالية والمجموعة الدولية الأمريكية للتأمين AIG وغيرهما بحجة أن ذلك خطر على الأمن القومي للولايات المتحدة، لكنها في الحقيقة تحاول منع المستثمرين الأجانب من امتلاك حصص كبيرة في الشركات الأمريكية من منطلق الحمائية. ورفضت أيضا إدارة موانئ دبي لبعض الموانئ الأمريكية. لقد نتجت عن الحرب الروسية - الأوكرانية مشاكل اقتصادية تمثلت في أزمة غذائية وتضخم مالي ونقص في إمدادات الطاقة.

هذه السياسة تشبه إلى حد كبير سياسة التأميم الذي قامت به بعض الدول النامية في نهاية الخمسينات وبداية الستينات الميلادية من القرن الماضي، وذلك لإعادة ملكيتها لمؤسساتها حتى لا تسيطر عليها الدول الأجنبية وشركات المتعددة الأوطان. ولقد تدخل الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن بقراره المناقض لاتفاقيات منظمة التجارة العالمية، وذلك عندما نفذ وعده بفرض ضرائب على الحديد والفولاذ الأجنبي الذي يصدر إلى السوق الأمريكية بحجة الإغراق. وكذلك صرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم على المنتجات غير الأمريكية، وهو بذلك يخالف اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي وقعت عليها الولايات المتحدة الأمريكية.

وقد صرح رئيس منظمة التجارة العالمية عن مخاوفه من عودة العالم إلى الحمائية القومية للمصالح الاقتصادية ونظام الحصحصة التجارية بين الدول جراء الأزمة الاقتصادية العالمية، لكن الرئيس بوش أكد للمنظمة أن هذا إجراء مؤقت لإنعاش شركات الحديد والصلب الأمريكية، وذلك في ظل منافسة غير عادلة ضدها من الشركات الأوروبية والصينية والكورية واليابانية وغيرها على حد قوله. وهذا يدل على أن النظام الاقتصادي العالمي هش وغير منضبط وأن دولا عظمى تحاول الاستفادة من هذه الأزمة وغيرها من الأزمات المستقبلية المحتملة مثل الحرب الروسية - الأوكرانية لتعزيز مواقفها الاقتصادية على حساب دول أخرى.

تقوم حماية الاقتصاد من المنافسة العالمية على أسس حكومية تحدد التبادل التجاري في سلعة ما أو قطاع صناعي أو تجاري ما، وذلك بهدف حماية الصناعات الوطنية للدولة، خاصة في الفترات الاقتصادية الحرجة مثل الركود أو الكساد الاقتصادي. ليست الحصص التجارية من حيث حجم المبيعات أو كمية المنتجات السياسة الوحيدة التي تتبعها بعض الدول لحماية اقتصادها من المنافسة العالمية، بل تلجأ بعض الدول لامتلاك الشركات المحلية ومنع الدول والشركات الأجنبية من السيطرة عليها من خلال شراء أسهمها، وهي سياسة لا تتفق مع سياسة الخصخصة والعولمة واتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي تشجع على التكامل الاقتصادي والتعاون بين الدول الأعضاء.

ما صرح به ونفذه الرئيس السابق جورج بوش الابن وكذلك الرئيس دونالد ترامب من فرض رسوم ضد منتجات الدول الأعضاء في المنظمة يثير المخاوف من عودة الحمائية والحصحصة والحروب التجارية بين الدول كما حدث بين الصين والولايات المتحدة. لا يخفى على المتخصصين في الاقتصاد أن هذا سيضعف الثقة في الاقتصاد الأمريكي والسياسة الأمريكية على حد سواء، بل سيشجع بشكل كبير دول الاتحاد الأوروبي وبعض الدول الآسيوية للعودة إلى نظام الحمائية ونظام الحصص لحماية مصالحها الاقتصادية من الدول التي تحاول استغلال الوضع الاقتصادي العالمي المترهل لكسب حصص تجارية في الأسواق العالمية، بل وللمحافظة على أوضاعها السياسية التي من الممكن لها أن تضعف عندما تكون الأوضاع الاقتصادية مهزوزة.

رأيي الشخصي أن الولايات المتحدة غير قادرة على قيادة العالم لأنها أوجدت لنفسها ذريعة الاستعمار القديم بثوب جديد في وقت أصبحت شعوب العالم أكثر وعيا ومعرفة بما يدور في العالم وما تخطط له الدول الاستعمارية القديمة من أهداف اقتصادية على حساب الدول النامية والفقيرة الني انجرت وراء سراب العولمة غير العادلة ذات القطب الأحادي.

كلية الأعمال KFUPM

@dr_abdulwahhab