خالد الشنيبر

في الأسبوع الماضي تناقل العديد في وسائل التواصل الاجتماعي مجموعة من التقارير العامة عن الرواتب في سوق العمل السعودي لعامي ٢٠٢١م و٢٠٢٢م، ومن اطلاع على تلك التقارير أجد أن تقرير إحدى شركات الاستشارات المحلية هو الأفضل مقارنة بتقارير الجهات الأخرى، وهذا الجهد يُشكرون عليه، وفي هذا المقال سأتطرق إلى أهمية وجود مثل تلك التقارير وتأثيرها على إدارة واستقطاب المواهب في سوق العمل.

بتشخيص سوق العمل للفترة الحالية، نجد هناك ارتفاعا في طلبات التوظيف للسعوديين مقارنة بالسنوات الماضية خاصة للمواهب والوظائف القيادية، فقرارات التوطين النوعية الأخيرة التي ركزت عليها وزارة الموارد البشرية كان لها دور كبير في هذا الارتفاع، وأحد المؤشرات على ذلك وصول أعداد المشتغلين السعوديين لمستويات تاريخية مميزة مقارنة بالسنوات السابقة، وهذا الأمر أدى إلى وجود تنافس قوي بين منشآت القطاع الخاص لجذب المواهب وأيضاً للمحافظة عليهم.

قد يظن البعض أن آلية إدارة المواهب تعتمد فقط على توظيف من يمتلك معدلات دراسية عالية أو من يمتلك سيرة ذاتية مميزة، وهذا العُرف ليس بالصحيح في مفهوم علم الموارد البشرية، فهناك قواعد أساسية من المهم العمل على تأسيسها حتى يتحول التوجه من «آلية» إلى «استراتيجية مستدامة»، ولنجاح ذلك من المهم أن تكون استراتيجية إدارة المواهب مستمدة من استراتيجية المنشأة نفسها، وأن يكون أساسها أن الكوادر البشرية العاملة لديها تعتبر ثروة وليست تكاليف، والنظر للمواهب إلى أنهم الأساس للميز التنافسية على المدى البعيد.

الغرض الرئيسي من تطبيق استراتيجية لإدارة المواهب هو توظيف وتطوير واستبقاء أفضل المواهب في المنشأة، وبغياب هذه الاستراتيجية لن تكون المنشأة قادرة على تعظيم مواهب موظفيها كأصول، فكلما كان هناك اهتمام أكبر في تطبيق استراتيجية لإدارة المواهب في المنشأة فسيكون الأثر إيجابياً بشكل أكبر على المنافسة والابتكار والإبداع والاستعداد لمواجهة التغييرات والمخاطر في أسواق العمل، وبوجود تلك الاستراتيجية سنجد تحفيزا مباشرا لباقي الموظفين على التطور إيماناً بحرص المنشأة على الاستثمار في كوادرها البشرية.

في الوقت الحالي لدينا إحصاءات جيدة يصدرها المرصد الوطني للعمل التابع لصندوق تنمية الموارد البشرية للوقوف على اتجاهات القطاع الخاص، وأرى أن سوق العمل لدينا يحتاج لوجود منصة أشمل تعكس مستويات الأجور وفقاً للتصنيف السعودي الموحد للمهن، وبالاعتماد على سجلات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وحتى تكون المنصة أكثر فائدة لأطراف سوق العمل من المهم أن تشمل خيارات تخصيص بشكل أوسع لتشمل سنوات الخبرة والقطاعات وأحجام المنشآت بالإضافة للمناطق الإدارية والمدن التي تتبع لها، وقد يكون تخصيص المدن معقداً نوعاً ما، ولكن تأثيره في اتخاذ القرارات وتحليل العديد من المؤشرات يعتبر مهماً لأصحاب القرار، ولنا في مدينتي الجبيل والرياض مثال واقعي على الفجوات في الرواتب والمميزات مقارنة بباقي مدن المملكة.

أكثر الأخطاء التي يقع فيها أصحاب القرار في منشآت القطاع الخاص عند مقارنة رواتب موظفيهم مع السوق هو الاعتماد على المسميات الوظيفية فقط، فهناك عوامل عديدة من المهم أخذها بالحسبان عند مقارنة الرواتب منها طبيعة النشاط وحجم المنشآت والموقع الجغرافي للعمل والذي له تأثير واضح، بالإضافة للمهام والحد الأدنى من الخبرات والمؤهلات والمهارات لشغل الوظيفة والذي نجد فيه تباينا واضحا من منشأة لأخرى، فعلى سبيل المثال نجد أن مدير الموارد البشرية في منشأة خدمية عدد موظفيها يقل عن ٢٠ موظفا يحصل على أجر أقل من مشرف لقسم من أقسام الموارد البشرية في شركة بترولية عملاقة يتجاوز عدد موظفيها ١٠ آلاف موظف.

ختاماً؛ رسالتان أوجههما للجهات المعنية بسوق العمل وللمنشآت المتواجدة بالسوق، «الأولى» وجود منصة عامة وشاملة لتحليل أجور ومميزات القطاع الخاص سيكون لها انعكاس كبير على رفع معدلات الاستقرار الوظيفي، وستكون ذراعاً مهمة للمحافظة على المواهب في سوق العمل، و«الثانية» المنشآت التي لا تستثمر في مواردها البشرية ولا تعتبرهم كميزة تنافسية تعتبر منشآت مؤقتة ولا يمكن ضمان بقائها.

@Khaled_Bn_Moh