فهد الخالدي

يطغى على أحاديث بعض المجالس موضوع تربية الأبناء وكيف غدا أكثر صعوبة من ذي قبل حتى أصبحت الشغل الشاغل للآباء والأمهات الذين تحيرهم الوسائل الناجعة للتعامل مع أبنائهم الأطفال والمراهقين على وجه الخصوص بل وأحيانا البالغين حتى تصل العلاقة في كثير من الأحيان إلى الخرس العاطفي وانعدام القدرة على التفاهم واللغة المشتركة، وقد يعزو البعض ذلك إلى الاختلاف بين الأجيال لكن الصحيح أن الفارق الزمني بين الأجيال كان موجودا دائما، وكان الفريقان لا يعدمان طريقا للتواصل والتفاهم والتعامل القائم على الطاعة واحترام الصغير للكبير وعطف ومحبة الكبير للصغير واهتمامه وتفهمه لاحتياجاته، وكان ذلك يتم بين الجانبين بكل سلاسة ومحبة مع أننا نردد أن الآباء لم يكونوا على المستوى من التعليم الذي نجد الآباء عليه هذه الأيام، ومع ذلك فإن أية مقارنة هي لصالح هؤلاء الآباء الذين لم ينالوا قسطا وافرا من التعليم كما هو الحال حاليا.. ربما لا خلاف حول وجود هذه الظاهرة على درجات مختلفة ولكن الخلاف هو حول تحديد أسباب ذلك، وطرق التخلص من هذه الأزمة، ومن وجهة نظر محقة إلى حد ما نجد أن هناك أسبابا عدة لهذا الواقع المر منها: أن تربية الأبناء والعوامل المؤثرة في تربيتهم لم تعد كما كانت سابقا مقتصرة على الآباء والأمهات، بل إن هناك مؤثرات عديدة تتجاذبهم هي في بعض الأحيان أقوى تأثيرا من الآباء والأمهات، وخاصة الأجهزة الذكية التي شاع استخدامها حتى غدا كثير ممن هم في سن الطفولة يستخدمونها بما يحدثه المحتوى الإلكتروني الذي تنقله من البرامج التي تدمر أخلاق الجيل وتقوده إلى المجهول حتى غدا استخدام هذه الأجهزة عند البعض إلى حد الإدمان ليس ذلك فحسب، بل يجمع معه إشغالهم عن الاهتمام بدراستهم، وإضعاف العلاقات الشخصية والأخوية بينهم وبين أفراد أسرهم وأقاربهم بل وآبائهم وأمهاتهم مما يؤدي مع طول الأمد إلى الجفاف العاطفي، ويقلل تأثير الكبير على الصغير إلى حد العدم، ومما يجعل خطر هذه الأجهزة شديدا أن أحدا لا يستطيع أن يغلق دونها الأبواب فهي تقتحم البيوت من خلال الفضاء دون استئذان محملة بكل ما هو ضار مما يحد من قدرة الآباء على تربية أبنائهم.. ومع ذلك فإنه لا يجوز أن يعطى العذر لمن يقصر في واجبه متذرعا بهذه الأسباب، بل إن الآباء والأمهات والمعلمين مدعوون لمواجهة هذا الواقع والعمل على تخليص أبنائهم منه تماما كما يحرصون على شفائهم من الأمراض التي تصيب أجسامهم فأمراض الروح والنفس والسلوك ليست أكثر أذى أو فتكا بالناشئة من هذه الآفة التي تفترس أبناءنا وتحاول أن تزرع فينا اليأس من مواجهتها كما أن الجهات الطبية والعلمية والأخصائيين النفسيين والإعلاميين جميعا مدعوون للبحث عن الحلول وتنقية المحتوى واختياره ودعم المحتوى المحلي الملتزم بقيم المجتمع والأسرة في مقابل المحتوى الهابط المسيء، ويظل دور المدرسة والمسجد هاما وضروريا.. إن إدراكنا للمشكلة لا يكفي وحده لمكافحتها والتخلص منها ولن يتم ذلك إلا بتكاتف الجهود والعمل معا لإيجاد الحلول المناسبة لها.. والله الموفق.

@Fahad_otaish