حسام أبو العلا - القاهرة

شدد السياسي والحقوقي اليمني هاني الأسودي على أن خروقات الحوثيين للهدنة الأممية تؤكد عدم وجود نية لدى الانقلابيين المدعومين من إيران لتحقيق السلام في اليمن، وأن الميليشيا تتلاعب بكافة دعوات السلام، بل تستخدمها كأوراق ابتزاز للمجتمع الدولي.

وثمن الأسودي الذي يرأس مركز «حقي» لدعم الحقوق والحريات بجنيف، في حوار مع «اليوم»، دور المملكة في دعم خيارات الشعب اليمني وحقه في تقرير مصيره، مؤكدا أن المبادرة السعودية في 22 مارس 2021 هي الحل الأمثل لإنهاء الأزمة ببلاده والتوصل لحل سياسي شامل، وانتقد تساهل المجتمع الدولي مع إرهاب نظام إيران بالمنطقة، مطالبا بوضع الحوثي على لوائح الإرهاب الدولية، كما تطرق لعدة مواضيع تأتي في متن الحوار:

• كيف ترى خروقات ميليشيا الحوثي للهدنة الأممية؟

- رعت الأمم المتحدة في أول أبريل الماضي، اتفاق هدنة بين الحكومة اليمنية وميليشيا الحوثي، لكن الأخيرة أخلّت بكل التزاماتها تجاه الهدنة، ولم تلتفت هذه الميليشيات التي تتلقى تعليماتها من نظام الملالي للمطالبات الأممية بتنفيذ الهدنة للتخفيف من المعاناة الإنسانية في اليمن، فلم ترفع حصارها المفروض على محافظة تعز، واستمرت في عرقلة تشغيل مطار صنعاء، وذهبت نحو تصعيد واسع النطاق في أكثر من محافظة يمنية.

في المقابل أكدت الحكومة اليمنية حرصها على استمرار الهدنة وفتح مسار حقيقي للسلام، داعية المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ لتطبيق كامل بنود الهدنة وإلى الضغط على الحوثيين لإيقاف كافة الخروقات، وهو ما يوضح جدية مساعي الحكومة اليمنية للسلام.

• وماذا بشأن تصعيد الإرهاب الحوثي ضد المملكة؟

- التصعيدات الحوثية الإرهابية ضد المملكة تؤكد تمامًا أنه لا توجد نية لتحقيق السلام ضمن توجهات ميليشيا الحوثي التي ظلت تتلاعب بكافة دعوات السلام، بل تستخدمها كأوراق ابتزاز للمجتمع الدولي، وهي بتصعيدها الأخير واستهدافها محطة توزيع مشتقات بترولية في مدينة جدة تنتهك القانون الدولي الإنساني انتهاكا صارخا، خاصة اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكولين الإضافيين اللذين ينصان على ضرورة توفير حماية كاملة للمدنيين وممتلكاتهم، كما جرمنا استهداف الأعيان المدنية، ولذلك فإن ميليشيا الحوثي بهذا الاستهداف الإجرامي لم تنتهك القانون الدولي الإنساني فحسب، بل ترقى هذه الانتهاكات لجرائم حرب تستدعي المحاكمة عليها في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي مع الكثير من الجرائم والانتهاكات المتعلقة بقتل وجرح المدنيين أو زرع الألغام أو تجنيد الأطفال وتفجير الخصوم وغيرها وجميعها يندى لها جبين البشرية وتضاهي في تأثيرها أبشع الجرائم التي تسجلها صفحات التاريخ.

مأرب تضم 90 مخيما استقبلت مليونين و231 ألف نازح ثلثهم من الأطفال (اليوم)


• إلى متى يستمر الصمت الدولي على الجرائم الحوثية؟

- للأسف الشديد نجد أن هناك تهاونًا دوليًا كبيرًا تجاه الجرائم التي ترتكبها ميليشيا الحوثي، نظرًا إلى غياب المصالح والأطماع الدولية في اليمن، كما تسبب تساهل المجتمع الدولي في منح إيران الفرصة لاستخدام بلادنا كورقة ضغط في ملف مفاوضاتها النووية مع الغرب، وغض الطرف عن تهريب طهران الأسلحة للحوثيين، إضافة إلى تقديم الدعم الفني واللوجستي لهم، وهو الأمر الموثق في تقارير فريق العقوبات التابع لمجلس الأمن الدولي، كل ذلك أدى إلى شعور اليمنيين بتدليل الأمم المتحدة للحوثيين، ما أدى إلى التأخر بتصنيف الميليشيات المدعومة من إيران كجماعة إرهابية، وألقى بظلاله باستمرار الحرب في اليمن للسنة الثامنة ورفض الحوثيين لكل مبادرات السلام والتلاعب بها.

• كيف تأثر العالم بتهديد الحوثي لممرات الملاحية الدولية وناقلات النفط؟

- تهديد الحوثيين المستمر للملاحة الدولية وحركة السفن في جنوب البحر الأحمر كان يستدعي تصرفا حازما من قبل مجلس الأمن الذي ينبغي له تقييم عقوباته السابقة تجاه الحوثيين وتحديثها وتغييرها بما يتلاءم فعلًا مع مبدأ عدم إفلات المجرمين من العقاب، لأن العقوبات الحالية لم تحرك ساكنا ولم تقم بالردع اللازم لوقف هذه التهديدات المستمرة.

• هل تُعد المبادرة السعودية الحل الأمثل للأزمة اليمنية؟

- حقيقة كانت المبادرة السعودية لإنهاء الأزمة اليمنية في مارس من العام المنصرم بصيص ضوء في وسط الظلام الذي يعيشه اليمنيون، ولكن الميليشيا لن تقبلها أو غيرها إلا من خلال الضغط الدولي على إيران لإجبار الحوثيين على الموافقة عليه والجلوس على طاولة مفاوضات حقيقية للوصول إلى سلام دائم وليس كهدنات مؤقتة يعمل خلالها الحوثيون على إعادة ترتيب صفوفهم ثم يتنصلون من الاتفاق مثلما حدث في اتفاق ستوكهولم الأخير فيما يتعلق بتسليم موانئ الحديدة للشرعية اليمنية.

وهنا يجب أن نتوجه بجزيل الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد، لدور المملكة الكبير الداعم لإرادة الشعب اليمني وحقه في تقرير مصيره، إضافة إلى الدور الإنساني للمملكة في مساندة اليمنيين في محنتهم، وهو بدون شك ساهم إلى حد كبير في تخفيف المأساة الإنسانية التي صنفت كواحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في التاريخ.

المملكة هي الداعم الأبرز للشعب اليمني، سواء في الجانب السياسي لاستعادة أمن واستقرار بلاده أو في الجانب الإنساني والإغاثي، وهو ما يؤكد الدور الريادي للمملكة ليس في المنطقة فحسب ولكن في العالم؛ إذ كان للدور السعودي تأثير واسع بتنبيه العالم لخطورة المؤامرة الإيرانية في البلاد ومحاولة تقسيمها وإسقاطها في فخ الفتن والمؤامرات لتتحول إلى منصة تهدد من خلالها منطقة الخليج.

ونحن الآن أمام دعوات سلام وتوافق من مجلس التعاون الخليجي وبدعم من التحالف العربي نرجو أن تنتج توافقا وطنيا للقوى اليمنية المؤمنة بشرعية المؤسسات اليمنية واستعادة الدولة وتوحيد كافة الجهود الوطنية لإيقاف الحرب التي فرضتها ميليشيا الحوثي على اليمنيين منذ اجتياحها للعاصمة صنعاء في سبتمبر 2014، رغم أننا لا نتوقع مشاركة الحوثيين فيها لغياب الضغط الدولي على إيران.

• كيف ترى دور التحالف العربي في إعادة الشرعية لليمنيين؟

- «التحالف العربي في اليمن بقيادة المملكة» ومنذ اللحظة الأولى في 25 مارس 2015، كان يسعى إلى وقف انقلاب ميليشيا الحوثي على شرعية الدولة ومحاولة تقسيمها، ولولا تدخل التحالف بشكل قوي لاستطاعت إيران أن تتوسع بشكل أكبر داخل الأراضي اليمنية عن طريق أذنابها الحوثيين، والتحالف حريص على حماية المدنيين ووقف تحركات الانقلابيين.

• ما حجم الدمار الذي تسببت فيه ميليشيا الحوثي؟

- دمَّرت ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران 27 ألفًا و541 منشأة مدنية في 14 محافظة خلال الفترة من 30 يونيو 2018، وحتى 30 ديسمبر 2021، والمنشآت السكنية كانت الأكثر تضررًا حيث سجلت 20996 حالة اعتداء بحق منازل المدنيين تنوعت بين تدمير كلي وجزئي واقتحام وتفتيش واحتلال وتمترس ونهب وعبث بالمحتوى.

وطال التدمير ممتلكات عامة وخاصة وشملت مرافق تعليمية وصحية وخدمية ومقرات حكومية، ومشاريع ومنشآت حيوية، ومعالم أثرية وسياحية، ودور عبادة، والطرق والجسور، ومنازل ومجمعات سكنية، ومقرات الأحزاب والهيئات والمنظمات المحلية والدولية، والمصانع والشركات الاستثمارية والمحلات التجارية، والمزارع وآبار المياه.

ومعظم القصف والهجمات العشوائية التي تشنها ميليشيات الحوثي بمختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة استهدفت أحياء سكنية مكتظة بالسكان وأسواقًا شعبية ومحلات تجارية، والأعيان المدنية في محافظتي تعز ومأرب كانت الأكثر تضررًا جراء القصف العشوائي.

وندعو المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة إلى فتح تحقيق عاجل وشفاف فيما يتعلق بجرائم استهداف الأعيان المدنية وتقديم مرتكبيها للعدالة، وتشكيل لجنة حصر لحجم الأضرار والخسائر التي لحقت الأعيان المدنية، خاصة «الممتلكات الخاصة».

قصف وهجمات عشوائية شنتها ميليشيات الحوثي بمختلف الأسلحة على مأرب (رويترز)


• كيف ترى الانتهاكات الحوثية في ملف حقوق الإنسان؟

- تنعقد حاليًا الدورة الـ49 لمجلس حقوق الإنسان في جنيف التي قدم خلالها الفريق الذي أرساه في كل من مركز «حقي» لدعم الحقوق والحريات ومركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان، العديد من البيانات الشفوية والمكتوبة متضمنة رصد وتوضيح انتهاكات الحوثيين، وقمنا في المركزين بلقاء العديد من مقرري المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وكذلك البعثات الدبلوماسية للدول الأعضاء في المجلس لاطلاعهم وتحديث بياناتهم حول انتهاكات الحوثيين للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولدينا يقين بأن الاستمرار في تلك الجهود سيؤدي إلى نتيجة في الدورات القادمة لمجلس حقوق الإنسان في إصدار بيانات وقرارات تدين الانتهاكات الحوثية.

• وما آخر أرقام الكارثة الإنسانية التي تعاني منها اليمن؟

- منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة حذرت من «تفاقم المجاعة» في اليمن، حيث يعاني أكثر من 500 ألف طفل من سوء التغذية الحاد، وأظهرت دراسة أن ما يقرب من 13 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، بينهم 6 ملايين يواجهون «حالة طوارئ».

كما نزح أكثر من 14 ألف يمني في مأرب منذ مطلع فبراير الماضي، بحسب إحصائية حكومية، وقالت الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين بالمحافظة التابعة للحكومة اليمنية في تقريرها الشهري «إن التصعيد الحوثي في مأرب منذ مطلع يناير واستمرار قصفها الصاروخي والمدفعي لمخيمات النازحين في المحافظة أجبر نحو 14 ألفا و413 شخصًا بواقع 2059 أسرة على النزوح من مخيماتهم في مديريات صرواح ورغوان وبني ضبيان خلال الفترة من 7 إلى 28 فبراير الماضي والانتقال إلى المناطق الجنوبية لمديرية صرواح وفي مدينة مأرب وضواحيها الجنوبية وفي مديرية الوادي».

وفي وقت سابق، حذرت الحكومة اليمنية، من وقوع كارثة إنسانية وشيكة، جراء استمرار ميليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران في استهداف مخيمات النازحين في محافظة مأرب، شمالي شرق البلاد.

وقال وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني: إن محافظة مأرب تضم بحسب تقارير حكومية، أكثر من 90 مخيمًا، واستقبلت منذ العام 2014 قرابة 318 ألف أسرة، بإجمالي مليونين و231 ألف نازح، منهم 965 ألف طفل و429 ألف امرأة، ما يشكل 60 % من إجمالي النازحين في عموم اليمن‏.

اليمن على حافة كارثة؛ إذ تتوقع وكالات أممية أن يزداد الوضع الإنساني في البلاد سوءًا بين يونيو وديسمبر 2022، حيث من المحتمل أن يصل عدد الأشخاص الذين قد لا يتمكنون من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية إلى رقم قياسي يبلغ 19 مليون شخص في تلك الفترة.

وعقب الإصدار الجديد لتحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي «IPC» في اليمن، حذر صندوق الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو» من اشتداد أزمة الجوع في اليمن، مما يجعل البلاد تتأرجح على حافة كارثة حتمية.

وما يؤكد عمق المأساة في اليمن ما قاله ديفيد غريسلي، المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في اليمن الذي صرح بأن التحليل الجديد للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي يؤكد تدهور الأمن الغذائي في اليمن.

خلاصة القول، هي أن اليمن بحاجة إلى استدامة الاستجابة الإنسانية المتكاملة لملايين الأشخاص، بما في ذلك الدعم الغذائي والمياه النظيفة والرعاية الصحية الأساسية والحماية والضروريات الأخرى.