عبدالله العولقي

لا شك أن كتب السيرة الذاتية من أمتع الكتب للقراء وعشاق الكتب، فهي مضمون أساسي لأهم أفكار الشخصيات المبدعة وتجاربهم العظيمة وتحدياتهم، وكيف استطاعوا أن يتجاوزوها؟، ولذا نجدها من أكثر الكتب مبيعاً في المكتبات، وحول هذه السير تتباين الثقافات البشرية وتتقاطع مسائل الإنسانية، وحول هذا الحديث سيكون مقال اليوم.

في عناوين كتب السيرة الذاتية تحضر الأنا بصورة مباشرة، وهذه ظاهرة طبيعية كون المضمون يتعلق بأمور الذات وخفاياها، وهذا نجده في سيرة العقاد «أنا» أو في «رحلتي الفكرية» لعبدالوهاب المسيري، أو «قصتي» للشيخ محمد بن راشد المكتوم أو «قصة حياتي» للفنان العالمي شارلي شابلن.

بينما نجد البعض قد حول عنوان سيرته لصالح منجزه وإبداعه، مثل كتاب قصة «سنغافورة» للرئيس الأسبق لي كوان يو أو كتاب «حياة في الإدارة» للوزير الراحل غازي القصيبي أو «حرب أكتوبر» للفريق سعد الدين الشاذلي أو «حياة قلم» (عنوان آخر) لعباس العقاد أو «عصر العلم» للعالم الفيزيائي أحمد زويل، أيضا، هناك صورة أخرى نجدها في عناوين السيرة تتشكل بظاهرة (من / إلى)، وهي تعكس صورة النقلة النوعية، التي حدثت في حياة الكاتب، مثل كتاب «من البادية إلى عالم النفط» لوزير البترول الأسبق المهندس علي النعيمي، أو كتاب «الكابتن» الطيار عبدالله السعدون (عشت سعيداً من الدراجة إلى الطائرة ) أو كتاب «من العلا إلى نهاية العالم» للدبلوماسي الأستاذ سليمان علي البدير، كما أن حضور عامل الزمن ومشتقاته يظهر بوضوح عند عناوين أخرى، كـ«الأيام» لطه حسين أو «غبار السنين» لعمر فروخ أو «سيرة المنتهى» لواسيني الأعرج بالإضافة إلى «حصاد السنين» للمفكر زكي نجيب محمود و«حياتي» لأحمد أمين.

وكما أسلفنا في المقدمة، فإن تباين الثقافات الإنسانية يلوح بجلاء في مضمون السير الذاتية، لا سيما ما يتعلق بالجانب الاجتماعي أو ما يمس مرحلة الطفولة الأولى، فكتّاب الغرب نجدهم يتعمقون بالكتابة تجاه خصوصيتهم إلى حد الإسراف، وهذا نجده لدى أول سيرة ذاتية في العصر الحديث عند الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو في كتابه «الاعترفات» بوضوح شديد، كما أن آخر سيرة ذاتية عالمية صدرت مؤخراً وقبل عدة أشهر للفنان العالمي ويليام سميث قد ترجمت هي الأخرى طفولته الشائكة وفكرة عقدة النقص، التي عوضها بنجوميته العالمية، وهكذا نجد أغلب السير الذاتية الغربية تتناول الجانب الاجتماعي الخاص بأدق التفاصيل دون أي شكل من أشكال المواربة أو الاستحياء كما هو حال ثقافتنا العربية.

يقول الأستاذ محمد النغيمش عن كتّاب السيرة العرب: «إنني أؤمن كثيراً بأن ما لم يكتبه العرب أهم بعشرات المرات مما كتبوه، فالبعض منهم يلجأ في كتابة سيرته الذاتية إلى فكرة ما بين السطور لعلها تنقل معاني لا يجرؤ القلم على تسطيرها، فالعرب تقول في تراثها: اللبيب بالإشارة يفهم!!».

@albakry1814