غنية الغافري

«كب العشا» أو «كب العفش» مثل شعبي يقال لمَن يفشي أسرار صاحبه ويفضحه بعد أن استأمنه عليها فيقلب الجو الهادئ إلى براكين وزلازل، وهذا ما نراه اليوم من تراشق بين المشاهير، فينقلب أحدهم على الآخر ويستغل ما وصل إليه من ضعف وتكالب وكأنه بطل المثل الشهير «إذا طاح الجمل كثرت سكاكينه!» وبغض النظر هل هو جمل أم لا، فالسكاكين المصوبة على أحدهم هي فرصة سانحة للظهور والتصدر أمام أولئك الذين يبحثون عمن يرضي فضولهم في أحداث «العفش المكبوب»، وبغض النظر عن تلك المهاترات والشتائم وتأكيد كل واحد منهم أنه الأول على الخليج والشرق الأوسط والدول المحيطة بالبحر الهندي والهادي والأسود والأبيض! فإن هذا المشهد الممتلئ دناءة دمر منظومة القيم والأخلاق لتحقيق المكاسب الشخصية وتعداها إلى الطعن في الشرف والأعراض، وأصبحنا في عالم رأس مالي أناني يرى بعضهم نفسه البطل الخارق! رافعاً شعار نفسي نفسي ومن بعدي الطوفان، وإذا كان صاحب الحق لديه الحق فعلاً فما الفائدة من أن يمسك الكاميرا ويتحدث أمام الناس ويشتم صاحبه ويعرضه لكل أصناف القهر والأذى متكالبا مع غيره في توجيه السهام فيما كان عليه أن يلجأ للقانون أو يحل مشكلته بالتواصل المباشر أو توسيط أي شخص، فالمجاهرة والتشهير ليس من صفات أصحاب المروءات.

وإذا كان عالم المشاهير عالما مخيفا لا نعلم فيه الصادق من الكاذب، فبغمضة عين يقلب أحدهما على الآخر ظهر المجن، فإن هذا العالم لا يختلف كثيرا عن العالم الحقيقي لأفراد المجتمع الواحد، الذي لا تخلو فيه القلوب من الحقد والأنانية والتباغض فيفجر أحدهما في خصومته ويستعدي أصحابه ويستخرج تاريخه وزلاته وإن كان تائباً من ذنب! ولا يهنأ له بال حتى «يكب عشاه» وفي التحذير من الفجور في الخصومة يقول المصطفى الكريم -صلى الله عليه وسلم- «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق، وذكر منها إذا خاصم فجر».

والخصومة والاختلاف واردة لكن أن يتعدى الرد حجم الخلاف إلى تمني كل شر وأذية وإذاقة صنوف التعذيب النفسي حتى لا يُترك مجال أو باب للصلح إلا أُغلق، فعلى صعيد الأسرة يتنافس الزوجان اللذان جافاهما التوافق إلى إيذاء كل منهما الآخر وفضحه بكل وسيلة وكشف ستر بعضهما حتى يصل الأمر إلى ما يتنزه عن ذكره الشرفاء الأعفاء، أو بين الإخوان أو زملاء العمل أو الأصدقاء أو بعض العائلات، فيتخاصمون لسنوات وتصبح الأجيال ضحية هذا الفجور، الذي تعدى المعقول دون ضابط أو حد وكأن الخصومة تبيح التطاول والتعدي وتوريث الانتقام.

وفي عصر ضاقت فيه بعض النفوس! وأصبح لا يتحمل أحدنا صاحبه، فيشخصن المواقف ويحملها فوق ما تحتمل علينا أن نتجنب الخصومات ولا ندخل حلبات مصارعة ثم نطلب الانتصار لأن هذا الانتصار سيكون على حساب صحتنا وسلامتنا النفسية، فمهما بلغنا من قوة نظل ضعفاء أمام الجور وانقلاب الوجوه متلبسين رداء كاذبا يدعي اللا مبالاة و«التطنيش» بينما تأكل المواقف المؤذية من عافيتنا حتى تردينا! فإذا اضطررنا علينا أن نسأل الله السلامة والعفو في كثير من الأحيان ليس ضعفاً وتصفية النفوس أولى وأكرم من تصفية الحسابات والعيش بجسد إنسان وقلب جمل حاقد يتحين الفرصة ليهيج ويفتك بصاحبه.

إن الكريم إذا تمكن من أذى

جــــاءته أخــــــــــلاق الكـرام فأقلعـا

وترى اللئيم إذا تمكن من أذى

يطغى فلا يبقى لصلح موضعا

@ghannia