شوق السماعيل

نرى كثيرا ممن يطلق على نفسه الآن «كاتب محتوى» وهو غير «كفؤ» لها، ولا حتى حري بمهاراتها، وفي ذلك استهلاك للمسمى المهني وهدر للمعنى الفعلي، حيث تم التعتيم به على دور كاتب المحتوى الأساسي وعدم استيضاح هذه الكركبة وعدم إبراز ماهية كتابة المحتوى، إن كتابة المحتوى حقيقة ليست كما يتصور البعض، إنها أكثر غورا.

تتجسد كتابة المحتوى في ترجمة الأفكار، والمقدرة على تصميم أفرع الفكرة وصياغتها بطريقة تقتضي التبسيط والتشويق والإلمام الكلي بمجملها، بالإضافة إلى خلق أفكار إبداعية مما يوسع آفاق الموضوع، وفي تلك الأهمية ما لا يتيح ببساطة أن يطلق كل على نفسه هذا المسمى لمحض إتقانه إتقانا أوليا للأدب، وعدم بخصه كفاية في سفح الأدب أو حتى أوساطه.

وبالتالي أصبح عندنا فائض من كتاب المحتوى «على غير سنع» وحالة تكدس سببت غيابا في المخارج وخلطا في المفاهيم، وهذا نوع من الجناية الأدبية، ومغالطة مهنية إبداعية في حق تصنيف المهن والموضوعات المستهدفة، وإبطاء لهويتها وإستراتيجياتها، بل إن كتابة المحتوى أحد الأركان المتمثلة في غرس جذور الفكرة وبثها بثا سليما، وهي بحاجة إلى الابتكار لتحقيق المبتغى ورنوا إلى صنع مادة فكرية وأدبية وضاءة بوسعها تحقيق الكثير من الأرباح الثقافية والمادية، بل إن جميع المنشآت والقطاعات بمسيس الحاجة وشحيحها إلى كتاب المحتوى، فحين يطلق أحدهم على نفسه هذا اللقب بكل بساطة دون حيازته على أهليات ترجح أحقيته بذلك، فإننا سنبصر بكتابة المحتوى تتمركز في أواخر صفوف المزاولة السليمة، حيث نشهد إراقة لمفهومها، وفتكا في تقاليدها التي ينبغي أن تحقق المستوى «التنافسي»، تنقسم كتابة المحتوى لأقسام عديدة وتتطلب دراسة بالغة وجدارة في ممارستها، فضلا عن تحقيق معاييرها وبلوغ الاحترافية، بالإضافة إلى توفر أسس مهمة وأساليب خاصة تتطلب الالتزام بها، تلك الأساليب يقفوها الكاتب الفطن، حيث يكون بوسعه إدغامها بلمساته الاحترافية وحسه الأدبي المتميز وهذا ما يجعل من المحتوى المقدم محتوى يتماشى مع عامل الموضوع وعامل الفكرة وعامل العرض، وهنا يكون أكثر دنوا للغة المرجو استخدامها.

إن مفتاح «المحتوى الكتابي» هو عنصر التفرد، حيث يسعى دائما إلى مهار نسج الكلم وتطريز الأحرف بما يتوافق مع جعله محتوى ضليعا «بالإبداع»، وإن أكثر ما يجعل من كاتب المحتوى متمكنا أن يسرد فكرة «لا محتكرة» أي أنه لا مانع من أن تكون قد عرضت لمئات المرات، على أن يكون سردا حقيقا بالبراعة ومدعاة للذهول، يجبر القارئ على استكمال قراءته وإن كان قد مر بتلك الموضوعات الأدبية عشرات المرات، ويقرأها وكأنه يفعل ذلك للمرة الأولى في حياته، ولكن بكل أسف: ينتشر في هذه الفترة نقيض ذلك، حيث يعتقد كثيرون بأن كتابة المحتوى أمر بسيط للغاية، أو هو مجرد إجلاء باطن الفكرة وظاهرها دون أن ينزلوها منزلتها الجسيمة، ولا ينفك بعضهم عن عدم تسليط الضوء للأخطاء اللغوية والإملائية، وقد يسردها سردا رتيبا حيث يشنعها رغم جماليتها المضمورة، ويعقد مرونتها، ويبهم صارخها، ونشهد ذلك في جميع المهن.

حسرة على زمن ينتسب به في الحرف من ليسوا بأهلها، ولا ذوي اختصاص، ولا مدركين لأثرها على متلقيها، ومتهترين باتجاهاتها المعرفية، زمن تجحف به صنائع الإبداع، وتعسف به المواهب وشطائرها، حيث «بسهولة» ينتمي الفرد إلى ما لا حيز به، ويقصر تجاه تنميته.

على المحتوى الكتابي أن ينسق تنسيقا يليق بمقامه، كما جعلتك الآن أيها القارئ اللبق تقرأ مقالتي هذه حتى النهاية.

@sh9009_