غنية الغافري

رغم أن عالم اللغة عالم واسع فسيح يحتمل الكثير من الكلمات والمعاني إلا أن شطحات المشاهير تنزهت وتكبرت على قانون اللغة وأصبحوا يطالبون بـ «ملكية فكرية» لاختراعاتهم اللفظية ! لا يجوز للآخرين التعدي عليها إلا بإذن رسمي ولا يؤمنون بقانون «توارد الخواطر والأفكار».

وإذا كانت «مصطلحاتهم ولزماتهم» لا تسمن ولا تغني من جوع بل هي من قبيل خالف تعرف و«اضحكوا وتابعونا» فمن الأجدى ألا ينفخ فيها كثيرا حتى لا تأخذ أكبر من حجمها.

وتوارد الخواطر ظاهرة باراسيكولوجية حقيقية لا يمكن إنكارها وتعني انتقال الأفكار والصور العقلية من شخص دون الاستعانة بأية حاسة من الحواس الخمس وتتضمن اتصالا غير مدرك بين أطراف الظاهرة، سأل الأصمعي رحمه الله عمرو بن العلاء: أرأيت الشاعرين يتفقان في المعنى ويتواردان في اللفظ لم يلق أحدهما صاحبه، ولا سمع شعره؟ فقال: تلك عقول رجال توافقت على ألسنتها، وحمل لنا الشعراء العرب الكثير من هذا دون أن يقاضي أحدهم صاحبه لأنهم يحملون فكرا هادفا وعقولا متشابهة في الرقي.

ولفتني قبل فترة خبر تغيير اسم أحد المشاريع التي تسمى بعبارة شهيرة «لأحدهم» بعد تهديد مشهورة بمقاضاة كل من يسرق «إنتاجها الفكري» «المتعوب عليه» والذي يتكون من كلمتين !!

ولو علم صاحب المشروع رد الهيئة السعودية للملكية الفكرية والتي «حسمت الجدل الدائر بشأن مدى تسجيل المشاهير لبعض مصطلحاتهم كملكية فكرية !! حيث أوضحت أنه لا يحق لأي مشهور تسجيل بعض المصطلحات كملكية لكونها جزءا من أسلوب العمل وإجراء عاديا يمكن لأي أحد فعله ويمكن وضع بعض الكلمات في صورة علامات تجارية مرسومة».

إن التهريج والصراخ والتلوث السمعي لبعض المشاهير والتي تكون في الغالب انطلاقة لشهرتهم لا تكسبنا إلا ضيق أفق وضيق صدر وضياع وقت، وإن كنا لا نحمل ذلك الكمال وتلك الجدية إلا بعض الألفاظ تحفز الذائقة فتصبح محكمة دون خبرة أو شهادة !

ولإيماني العميق بالتنوع واختلاف المشارب والأهواء وحاجة الناس للنكتة إلا أننا أحيانا نضحك لنكتة «بايخة» ! ونكشر لـ «أخرى» تستحق القهقهة ! ولا أعلم هل نعاني من انفصام أم أن الشخصية تفرض نفسها علينا أم أننا نكون في وضع متهيئ لذلك أم أننا نقيم النكتة لطريقة الأداء ومستوى الشكل؟ لا أدري؟

المهم ليس اختلاف وقت الضحك أو الإعجاب بعبارة ما أو نقد العبارات والكلمات لأن الإنسان لديه مطلق الحرية فيما يقول ما لم يتعدى على الدين والمسلمات وللمتلقي حرية التقبل أو الرفض وفقا لشخصيته وما يناسبها، فالأفكار ملقاة على قارعة الطريق كما يقول الجاحظ، ما يهم هي الزوبعة التي يحدثها بعضهم لاحتكار الكون أقصد الألفاظ والعبارات ورفضهم لاستنساخها من قبل معجبيهم واعتبارها جاءت بعد تمحيص وتخطيط ! وأنها سرقة أدبية لا تغتفر ! وربما لو استطاع بعضهم لأحاط نفسه بهالة لا يمكن لأحد اختراقها وأعان الله المشهور المغرور! الذي يتقاتل المعجبون لرؤيتة أو التصوير معه فيلوثون فضاءه المغلف بالقداسة.

ولحل هذه المعضلة على المستمع أن يستمتع بذلك الإنتاج الفكري المميز وعليه أن يمحوه من ذاكرته حتى لا يرد على لسانه فينتحل ذات اللفظ فيعرض نفسه للغرامات والمساءلة ! أو أنه يعزو ويعترف ويقر بجرمه، أما إذا كان معجبا حقيقيا وباحثا علميا يريد التوسع في رسائل علمية تفيد المجتمع أساسها تلك العبارات الخالدة فما عليه إلا التواصل مع «المنسق».

@ghannia