شيخة العامودي

فرسان هذا الزمان نسخ عن آبائنا وأجدادنا، خرجوا من متونهم يشبهونهم في الملامح وفي الصفات، ويطابقونهم بالمشاعر والشعور، هم جمع غفير وعددهم كثير، يسكنون في خرائط الحياة، ينتشرون في كل مكان، يقومون أركان المنازل هم نوافذها وأبوابها والأسوار، هم السكنى والحمى والملاذ، هم الأمان والكفاية والإيواء، هم العز وعندهم تتقهقر الدموع ويموت الخوف، ويفر المتربصون من كل اتجاه.

فرسان هذا الزمان يتوارثون الفروسية بكل ود وامتنان، هم مَن اقترنت أسماؤنا بأسمائهم، هم الآباء، وما أعذب كلمة «أبي» عندما نقولها بود في ثنايا دعاء أو استدعاء، أو خلال كلمات فيها نبثهم الشكوى، فيسمعون بإنصات وتحيطنا قلوبهم تريد أن تبني حولنا أسوارا من فولاذ، أو حين نكررها محمومين فيستأسدون على المرض يريدون أن يصارعوه نيابة عنّا، يريدون أن يردوه بأسقامه، فيغادر من جذوره منّا، يبالغون في حمايتنا وقد يضيقون من ولعهم علينا الخناق، فنتساءل بجهل: لِم كل ذلك الخوف علينا من الحياة، لِم تزاحم نصائحهم وجبة الغداء والعشاء والإفطار؟ نحن لا نفهم أن ذلك حب ممزوج بإشفاق.

الأب سند لا يخذل، والمستثنون منهم ندرة تملصت منهم الألقاب، فالتصقوا بها بلا أسباب.

الآباء نعم مخفية يفطن لخيرها مَن تربى يتيما أو مَن بعد عمر دفن فيصبح المنزل دونه كسيرا، يشعر بها مَن تغربوا فيدركون حال الخاطر كيف يكون دون الآباء مبهم الملامح مجهول التعريف والصفات.

الآباء يلجأ لهم الكل، وإن ضاقت بك الحياة تتسع في حضنهم، يفنون العمر في مداراة الخاطر إلا أنهم دائما عن أنفسهم صامتون لا يشتكون ولا بحقوقهم يطالبون، تراهم في همهم منفردين لا يسكبونه على أحد، بل في محيطه يغرقون، دموعهم لا تُرى تختفي، وفي الوحدة تنسكب بخشوع، وإن صدف ولاحظت تغير بالهم وسألتهم: ما بكم؟ أخفوا الحقيقة تحت ستار «متعبون».

الآباء لا يُعرف مدى الحاجة لهم وعمق دورهم إلا حين يغادرون، مهما مُنحوا من تقدير ومودة وعرفان حين يفارقون يجتمع في حياتنا خسوف وكسوف.

سارعوا لأحضان آبائكم واربتوا بحب وود على أكتافهم، وأروهم احتراما واهتماما وجالسوهم وأغدقوا عليهم المزيد بأضعاف، وتذكروا دوما إن صمتهم يحتاج لكثير من احتواء.

* آدم

ينكسر الضوء بالظل دون الآباء، ففي غيابهم تنقلب المعادلات، لا تودعهم دار إيواء لتكن أبصاركم لهم ملاذا ولتحسن أفئدتكم الاحتواء وليكن منطقكم معهم «ابشر عيني لك فداء».

@ALAmoudiSheika