سالم اليامي

وأنا أتابع مثل غيري من الجمهور العربي العريض تطورات مسلسل الإساءة من المسؤولين اللبنانيين للمملكة العربية السعودية، وللدول العربية دول الخليج والجمهورية اليمنية وتطوراتها الدراماتيكية، خاصة بعد التصريحات التي نشرتها صحيفة سعودية لمَن يشغل منصب وزير الخارجية فيما كان يسمى بالجمهورية اللبنانية، التي أكد فيها كل الدفوعات التي قدمتها المملكة والدول العربية الخليجية، التي ليس أقلها تعمد ورعاية تصدير المخدرات للمنطقة الخليجية، وعلاوة على الإنكار بعين قوية كما يقال للمساعدات السعودية والخليجية، كل ذلك في حقيقة الأمر ذكرني بمسرحية كوميدية شهيرة عرضت في منتصف ثمانينيات القرن الماضي لفنان الكوميديا المرحوم سمير غانم وفرقته الفنية، المسرحية تقوم على فكرة تبدأ مع بداية أعمال الحفر في القاهرة بهدف إنشاء المترو، وأثناء عمليات الحفر يخرج من باطن الأرض، والتاريخ جُحا وحماره، وكأن الرجل يعود للحياة من العصر العباسي، ليتطرق لبعض المفارقات في الحياة المعاصرة بشكل كوميدي لاذع في بعض الأحيان.

فيما كان يعرف بالجمهورية اللبنانية ظهر في ثمانينيات القرن الماضي أي في زمن عرض المسرحية في مصر تقريبا ما يسمى بحزب الله، الذي بدأ بشكل خجول تحت عباءة الخدمات الاجتماعية، ورعاية الطائفة الشيعية الكريمة في لبنان. هذه كانت الأهداف المعلنة، ولكن الحقيقية أن الحزب صمم إقليميا وعن طريق الدعم والتوجيه، والمؤازرة الإيرانية إلى أن يحكم ما يسمى بالأمين العام للحزب الرقعة الجغرافية العربية، والعروبية بالضرورة التي تسمى لبنان.

لبنان بتعدديته وتاريخه المعاصر كان عصياً على فكرة المصادرة والاستلاب السياسي، والفكري، والثقافي، والهوياتي. لكن الوضع اليوم في لبنان الأرض مختلف هناك هيمنة مطلقة لطيف سياسي واحد فقط في الوقت الذي تغيب فيه كل الطوائف، التي كانت بتعددها وتمايزها تشكل حالة فريدة ومميزة للبنان، وشعبه، وحضارته.

منذ مطلع الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، التي توجتها حادثة التفجير العظيم في مرفأ بيروت المدني، الذي خرب ما بقي من وجه لبنان المشرق، والبلاد تغرق في مسارين الأول الهيمنة لما يسمى بحزب الله أمنيا وعسكرياً، وسياسياً، ونشوء طبقة سياسية وصفها المجتمع اللبناني، والإعلام الحر هناك بأنها طبقة منتفعة، متكسبة. بمعنى أن لبنان القوي غاب عن المشهد العربي، أو غيب منذ بدأت السلطة السياسية تطلب من أشقائها العرب إتاحة الفرصة للبنان للنأي بالنفس عن القرارات العربية المصيرية، هذه الحالة كانت بداية الموت السياسي للبنان الحر، وبداية الإعلان عن أي موقف سياسي يتخذه مسؤول لبناني يجب أن يراعي، ويتماهى مع المصلحة الإيرانية العليا، حتى إن كان ذلك على حساب المصالح الوطنية اللبنانية، أو المصلحة القومية العربية العليا. حزب الله حول لبنان من دولة، وسياسة، ورجال دولة إلى عملاء، ودكاكين سياسية تبيع في السر ما تخشى المجاهرة بالمتاجرة فيه في العلن، حزب الله مسخ الشخصية السياسية اللبنانية، وقزم السياسي اللبناني الذي كان نموذجاً في المنطقة العربية للذكاء، والحصافة، والحرفية. لا ينفع أهل لبنان ولا محبي هذا البلد الطيب التباكي عليها، المطلوب في رأينا موقف ثلاثي الأبعاد لبناني وطني في الأساس، ثم عربي داعم ومساند، ثم موقف دولي مؤيد ومناصر للقول: لا للهيمنة على لبنان وقراره الحر.

@salemalyami