خالد الشنيبر

الاستقرار الوظيفي هو الإحساس بالرضا والأمان الوظيفي، الذي يدفع الموظف إلى البقاء والاستمرار في العمل لدى صاحب العمل، ويعتبر الاستقرار الوظيفي ناتجا للإجراءات، التي يقوم عليها صاحب العمل بهدف الاحتفاظ بالعاملين لدى المنشأة والتقليل من الدوران الوظيفي.

أغلب المبادرات، التي شهدها سوق العمل خلال السنوات الماضية كانت تتركز في استهداف زج المتعطلين إلى داخل السوق، وكوجهة نظري شخصية ما زلت أرى غيابا كبيرا لمبادرات «مباشرة» تستهدف استقرار العاملين السعوديين في القطاع الخاص، فالاستقرار الوظيفي لا يقل أهمية عن توجهات التوطين، التي نراها اليوم، وعدم إدراك أهمية الاستقرار الوظيفي في سوق العمل سيعزز من تفاقم مشكلة التسرب الوظيفي في القطاع الخاص، مما يعني خلقا لتحديات أكبر للتوظيف المستقبلي.

عند مراجعة نشرات سوق العمل سنجد غيابا لأي مؤشرات مباشرة عن معدل استقرار السعوديين بالقطاع الخاص، ولو كانت تلك المؤشرات حاضرة فسيتبين لنا أن هناك أعداداً ليست بالقليلة لمشتغلين سعوديين «تنقلوا» على أكثر من وظيفة من صاحب عمل لآخر خلال فترة السنة، مما يعني التضييق على المتعطلين «مَن لم يسبق لهم العمل» للدخول في سوق العمل، وما نراه من أرقام مُعلنة عن أعداد المشتغلين السعوديين بالقطاع الخاص لا تعني أنها مساوية لأعداد الوظائف المتاحة للسعوديين في القطاع نفسه، ولتوضيح ذلك بمثال: لو فرضنا أن مشتغلاً عمل لدى صاحب عمل بعقد مدته سنة ثم قدم استقالته بعد مرور 4 أشهر وانتقل لصاحب عمل آخر، ومن ثم قدم استقالته من صاحب العمل الآخر بعد مرور 4 أشهر وانتقل لصاحب عمل ثالث، سنجد أن هذا المشتغل «تنقل» في ثلاث فرص وظيفية كانت متاحة بالسوق «خلال سنة»، وساهم بالضرر غير المباشر في فرصتين منها كان بالإمكان دخول مشتغلين آخرين لها، والسبب في ذلك عدم التزامه بمدة العقد.

المنشآت التي تتعاقد من الجهات الحكومية بالإضافة للمنشآت التي يزداد عدد موظفيها على 100 موظف من المهم أن يحتوى هيكلها التنظيمي على وظيفة خاصة «بالاستقرار الوظيفي»، ومسؤولية شاغل تلك الوظيفة هو وضع إستراتيجيات للمحافظة على استقرار الموظفين السعوديين لأعلى مستوى في المنشأة، مما يخلق تنافسا كبيرا بين المنشآت للمحافظة على موظفيها والتقليل من الدوران الوظيفي، الذي من الصعب التحكم في مؤشراته.

لنجاح تطبيق هذا التوجه من المهم أن يتم ربطه بحوافز من صندوق الموارد البشرية، وتلك الحوافز تُصرف فقط للمنشآت، التي لديها قسم أو موظف خاص في «الاستقرار الوظيفي»، وكوجهة نظر شخصية أرى أن الحوافز التي من الممكن منحها لتلك المنشآت تتعلق في المساهمة في دفع استحقاقات التأمينات الاجتماعية، بالإضافة لدفع حوافز سنوية للموظفين المستقرين لفترات محددة في منشآتهم، وإضافة لذلك يتم دفع حوافز للمنشآت عن معدلات الاستقرار الوظيفي للموظفين السعوديين في منشآتهم.

أعتقد أن الوقت الحالي من المهم أن يشهد لقاءات بين وزارة الموارد البشرية بالإضافة لصندوق الموارد البشرية «هدف» وَمسؤولي القطاع الخاص لمناقشة المقترحات حول عملية دعم الاستقرار لموظفي القطاع الخاص السعوديين، ومن ثم تتم صياغة برنامج كامل مختص في رفع مؤشرات الاستقرار الوظيفي، الذي يعتبر تحديا لا يقل أهمية عن عملية الدخول الوظيفي للمستجدين في سوق العمل حتى لا نبقى في دوامة مغلقة.

الاستقرار الوظيفي يعتبر أحد المستهدفات، التي تعمل عليها أقسام الموارد البشرية، ولكن الوضع الراهن والتحديات التي تشهدها أسواق العمل عالمياً تجعلني أرى أهمية لوجود استقلال وظيفي لهذه الممارسة في المنشآت، التي تهتم بتطوير بيئة العمل لديها، وتستهدف المحافظة على الكفاءات داخل المنشأة.

ختاماً: الإهمال المفرط في متابعة مؤشرات الاستقرار الوظيفي سيكون له انعكاس مباشر على تكاليف الإنتاج، فهل سنرى تغييرا في إستراتيجية التعامل مع مؤشرات الاستقرار الوظيفي خلال الفترة القادمة وبحوافز فعلية؟

@Khaled_Bn_Moh