د. جاسم المطوع

دخل عليّ شاب عمره 11 عاما، وشعره لونه أزرق، فلما سألته عن سبب صبغ شعره باللون الأزرق، قال أنا أحب إحدى شخصيات (الإنمي) يصبغ شعره أزرق، وأم اتصلت عليّ لأتحدث مع ابنتها بعمر 15 سنة وأحاورها لأنها بدأت تتبنى أفكارا إلحادية وتشك في وجود الخالق، ولما سألتها عن مصدر معلوماتها قالت لي حلقات الكارتون (الإنمي)، وطفل عمره لم يتجاوز 7 سنوات حاول أن يذبح أخاه الأصغر تقليدا لما شاهده في الكارتون (الإنمي)، وطفل عمره 8 سنوات حاول الانتحار بسبب رؤية مشاهد الكارتون (الإنمي)، وطفل طلب من والديه أن يكون من عباد الشيطان.

إن 60 % من نسبة الكارتون في العالم هو (إنمي)، والإنمي نوع من الرسوم المتحركة القادم من الثقافة اليابانية، وأغلب مواضيعه عن العنف والقتل الدموي والسحر والشعوذة واللعب بالأرواح والشياطين والجن والتحكم في قوى الطبيعة وإحياء الموتى والدخول في دائرة التأله.

إن الأرباح التي يحققها (الإنمي) سنويا 2 تريليون دولار أي ما يعادل 17 مليار دولار وهي ميزانية دولة، وأكثر المتابعين لـ(الإنمي) من فئة المراهقين والكبار، لأن المراهق في الغالب يكون غير راضٍ عن أسرته ومجتمعه ويعيش بشعور الفردية ويحب الانتماء، و(الإنمي) يخاطب مشاعره ويزيده عزلة وانطوائية، ولهذا فإن (الاوتاكو) تعني ملازمة المنزل وتطلق على المهوسين بـ(الإنمي)، فيصبح الطفل مدمنا لمتابعة (الإنمي) وينعزل مع الوقت ويكون أصدقاؤه مدمنى (الإنمي).

فـ(الإنمي) مدروس بشكل متقن، (فالكودومو) كارتون يستهدف الأطفال، (والشونين) يستهدف المراهقين الذكور، (والشوجو) يستهدف المراهقات البنات، (والسينين) يستهدف فئة الشباب، و(الهانتاي) هو الإنمي الإباحي، (والياوي) يركز على مشاهد الشذوذ بين الذكور، أما (المانجا) فهي قصص مصورة يابانية مؤلفها ياباني وأحداثها تدور باليابان ويحبها الأطفال ليتابعوا الأحداث، التي تم تشفيرها في مسلسل (الإنمي)، كما أن إنمي (يوغي) يشكك في وجود الله ويردد عبارات مثل (لا أهتم إن الإله موجود أم لا) أو (لا أصلي أبدا للإله) أو (الإله لا شيء سوى فكرة صنعها رجل ليخيف الناس) وهكذا.

وقد عملت أكثر من دراسة تبين أثر مشاهدة (الإنمي) في التحرش والاعتداء الجنسي على الآخرين، ففي دراسة مَسحيّة أُجرِيت في إحدى الجامعات البولندية (Polish University) على 6463 طالبًا متوسط أعمارهم 14 سنة، ونُشِرت في شهر مايو عام 2019 وخلَصَت إلى أنّ 78.6 % من الطلاب تعرّضوا للإباحية عبر مشاهد (الإنمي).

ولعل أهم سؤال هو كيف نتعامل مع أبنائنا المحبين لهذا النوع من الكارتون؟ والجواب هو لا بد أن نقسم الأطفال إلى قسمين: الأول المدمن لـ(الإنمي) وهذا لا بد من عرضه على مختص لوضع خطة علاجية مع متابعة الأهل له، والقسم الثاني وهم أكثر الأطفال الذين يكثرون من مشاهدة (الإنمي)، ولكن ليسوا مدمنين، ففي هذه الحالة على الأهل أن يتخذوا عدة إجراءات تربوية، منها مشاهدة الوالدين ما يشاهده الأبناء والجلوس معهم لمعرفة ذوقهم وما يحبون، ثم مناقشتهم بالأفكار التي يشاهدونها ليوضحوا لهم ما هو الصواب والخطأ، وعمل برامج وأنشطة حركية لشغل وقت فراغ الأبناء حتى لا يكون ارتباطهم بـ(الإنمي) كثيرا، وبناء المراقبة الذاتية عند الأبناء من خلال غرس الوازع الإيماني والديني في قلوبهم بطريقة محببة، وضبط وقت المشاهدة حسب عمر الطفل حتى لا يتعلق ويتحول لمدمن لـ(الإنمي)، ومراقبة تصرفات الأبناء ومعرفة مصدرها لمعرفة مدى تأثرهم بما يشاهدون، وفي بعض الحالات ننصح بمنع المشاهدة لو كان التأثير كبيرا على تفكيرهم أو سلوكهم، أما في حالة لو لاحظ الوالدان أن الطفل بدأ يميل للعزلة بسبب (الإنمي) أو يظهر عليه سلوك العصبية أو الاكتئاب فلا بد من التحرك سريعا لعلاج الحالة حتى لا تزيد.

@drjasem