د ب أ - واشنطن

بكين تعرف كيف تستخدم القوة وتكتشف الضعف وتؤكد هيمنتها المتزايدة على حساب الآخرين

في الوقت الذي تزداد فيه حدة التوتر بين الولايات المتحدة والصين وسط التنافس على الهيمنة، ثمة سياسات تتبناها بكين يراها باحثون على أنها تشكل تهديدا حقيقيا للولايات المتحدة، التي يلاحظ أنها تدعم الصين اقتصاديا من خلال فتح أسواقها لسلعها.

ويقول الباحث الأمريكي لورانس كاديش، عضو مجلس إدارة معهد جيتستون إن المؤرخين، الذين درسوا انحدار وسقوط الإمبراطوريات الحديثة الكبرى يجب أن يكونوا قلقين هذه الأيام.

الصينوين يتذكرون

ويضيف كاديش، الرئيس المؤسس للجنة الأمن والسلام في الشرق الأوسط وشبكة معلومات الشرق الأوسط الأمريكية، في تقرير نشره معد جيتستون أن الكثيرين سجلوا كيف فقدت الصين، التي كانت ذات يوم قوية، سيادتها لصالح القوى الاستعمارية خلال السنوات الأولى من القرن العشرين. فقد اكتسح تحالف أوروبي من الدول إمبراطورتها الضعيفة وجيشها المتواضع ليجدوا أن الصين ستصبح الجائزة الدموية للجنرالات اليابانيين، الذين مارست قواتهم الاغتصاب والقتل في طريقهم إلى بكين.

وقد لا يتذكر الغرب هذا «العرض الجانبي» للحرب العالمية الثانية، ولا يزال العديد من اليابانيين يرفضون الاعتراف بإرثهم، ولكن الصينيين يتذكرون.

إنهم يتذكرون وهم يستخدمون في الطيران أحدث جيل من المقاتلات الشبح. وهم يتذكرون وهم يبنون 100 منشأة إضافية لإطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. وهم يتذكرون وهم ينشئون جزرًا اصطناعية في المحيط الهادئ لإيواء الصواريخ القادرة على استهداف حاملات الطائرات الأمريكية. يتذكرون وهم يختبرون صواريخ كروز الأسرع من الصوت. وهم يتذكرون وهم يطلقون صواريخ أسرع من الصوت يمكنها الدوران حول الأرض، وتحمل رأسا حربيا نوويا، وتبقى معلقة في مدار منخفض إلى حين اتخاذ قرار بالضرب. وهم يتذكرون وهم يطلقون بعثات فضائية مأهولة لإنشاء محطة فضائية مدارية قد تكون قادرة على القيام بنشاط عسكري.

ويتساءل كاديش: كيف أصبح الصينيون يمتلكون مثل هذه البراعة؟

ويقول: «لقد أصبحنا مستهلكين أساسيين لسلعهم التي تتراوح بين ألعاب الأطفال والأدوات المنزلية إلى الأدوية وتكنولوجيا الهواتف الذكية. لقد رحبنا بتجارتهم بطريقة سيجدها مؤرخو المستقبل غير قابلة للتفسير، تماما كما نفعل الآن عندما ننظر إلى شركات مثل «آي بي إم» و«فورد» التي قامت بأعمال تجارية مزدهرة مع النازيين عشية الحرب العالمية الثانية».

بلد ثري

وعموما، لم يكن الأمر يتعلق بأيديولوجية بغيضة، لكن كان عملا تجاريا فقط، وكما يقول رجال الأعمال اليوم، إذا استمرت أمريكا في السماح بذلك، فسوف يستمرون في القيام بعملهم. لكننا اليوم نتعامل مع بلد أكثر ثراء وعدوانية بكثير من خصوم واشنطن السابقين.

ويضيف كاديش: «كمستهلكين للسلع صينية الصنع ومستثمرين في المنتجات صينية الصنع، فإننا نقوم بتمويل الجيش الصيني علنا. ولم تخف القيادة الصينية خططها للتفوق على الولايات المتحدة من الناحية التكنولوجية والاقتصادية والعسكرية، حتى من خلال (الحرب غير المقيدة) إذا لزم الأمر. وبالنسبة لأمريكا غير المبالية بالآثار الإستراتيجية، فإننا قمنا بضخ تريليونات الدولارات في الاقتصاد الصيني، بينما ساعدنا بشكل خطير على تآكل قاعدتنا الصناعية».

وقال كاديش: «كان يتعين على الولايات المتحدة أن تكون المُصدر وليس المستورد. لا ينبغي أن تكون هناك سلع من الصين تنتظر الهبوط على أراضينا، ولا عائدات من أمريكا تتدفق إلى خزائن الحزب الشيوعي الصيني».

ويقول كاديش إن الصينيين يعرفون تاريخهم وهم يعرفون أيضا أن هناك دولة ديمقراطية (الولايات المتحدة) يضعف اقتصادها بسبب كوفيد 19 وتنفق ميزانية بمليارات الدولارات من شأنها أن تغرقهم في ديون تاريخية، دولة تخضع تحت قيادة وطنية ربما تكون في حالة من الضعف، وجيش شعر بالإذلال عندما يأمره قائده الأعلى بالخروج من ساحة المعركة الأفغانية.

خصم لا هوادة

وأضاف كاديش «إن الصينيين يعرفون كيف يستخدمون القوة، ويكتشفون الضعف، ويؤكدون هيمنتهم القوية والمتزايدة على حساب الآخرين. إنهم ينظرون إلى القرن الماضي على أنه فترة إذلال. وهم ينوون، من أعمالهم وأعمالنا، أن يجعلوا من هذه الحقبة قرنا من الإذلال لأمة أخرى. ويمكن بسهولة تأكيد قوتهم الاقتصادية والعسكرية الحالية والمتزايدة بتمويل من الشركات الأمريكية».

ويقول كاديش: «لا يكفي أن نرفع أيدينا في وجه خصم لا هوادة فيه. ويتعين على واشنطن أن تركز على أعمالها وأن تقدم الحوافز المناسبة والضرورية لتوسيع قاعدة التصنيع، التي كانت هائلة هنا في الولايات المتحدة».

ويضيف إن أمريكا لديها الوسائل والمهارات والموارد اللازمة للعودة إلى دورها كمُصدّر هائل، ولكن هذا سوف يتطلب من الولايات المتحدة أيضا ترتيب بيتها الاقتصادي وتجميد سقف ديونها. إن الاقتصاد الذي يقف على شفا ديون ذاتية تبلغ قيمتها عدة تريليونات من الدولارات يجعل الولايات المتحدة عرضة للانهيار المالي. وسوف يكون الانضباط المالي مطلوبا إذا كانت ترغب بالفعل في وقف تمويلها لآلة الحرب الصينية.

ويختم بالقول إن السؤال الآن هو ما إذا كانت الولايات المتحدة، التي نادرا ما يفكر مواطنوها في تاريخهم الاستثنائي، تتمتع بالقوة والالتزام والشجاعة لكتابة نهاية مختلفة لفصل من التاريخ تكتبه حاليا جمهورية الصين الشعبية.